في يوم مناهضته العالمي.. عنف الشرطة الأمريكية مستمرّ
د.معن منيف سليمان
يُحيي العالم اليوم العالمي لمناهضة تعسّف الشرطة الذي يصادف الخامس عشر من آذار كل عام، حيث بُدئ الاحتفال به عام ١٩٩٧ من جمعيات غير حكومية تنشط ضدّ تجاوزات رجال الشرطة في جميع أنحاء العالم.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تحيي هذا اليوم جمعيات معروفة بنشاطها ضدّ تعسّف الشرطة على غرار ائتلاف ٢٢ تشرين الأوّل لوقف وحشيّة الشرطة.
إنّ التاريخ الحديث للشرطة الأمريكيّة يحفل بالتجاوزات والاعتداءات من عناصر الشرطة على مواطنيهم وخاصّة ضدّ الأقليّات وبالتحديد ذوي البشرة السوداء، ما يسبّب احتجاجاتٍ كبيرة بمختلف البلاد، حيث قادت منظّمة “حياة السود ذات قيمة” التي تأسّست عام ٢٠١٣ مظاهراتٍ في العديد من المدن الأمريكيّة، وكان بعضها تخليداً لذكرى نساء وفتيات سود فقدن حياتهن نتيجة العنف الذي تستخدمه الشرطة الأمريكيّة.
ولا يزال مسلسل العنف والعنصرية الذي تمارسه الشرطة الأمريكية ضدّ السكان السود، الفئة المهمّشة في المجتمع الأمريكي، التي تعاني أكثر من غيرها من مشكلات الفقر والبطالة وتدني مستوى التعليم والخدمات الاجتماعية، في تصاعد خطير للغاية، وقد أدّى العنف الذي تمارسه الشرطة الأمريكيّة إلى مقتل أعداد كثيرة من المواطنين السود، ويعدّ مقتل الشاب الأسود “جورج فلويد” حين ضغط شرطي أبيض بركبته على عنقه إلى أن اختنق ومات، أبشع صور ظاهرة التعسّف التي تمارسها الشرطة الأمريكيّة ضدّ المواطنين السود العزل.
وتتجلّى ظاهرة تعسّف الشرطة الأمريكيّة أيضاً خلال المظاهرات، فقد أدّت أحداث مقتل مواطنين من ذوي البشرة السوداء مثل “إيريك غارنر”، و”مايكل براون”، وغيرهم إلى مظاهرات مناهضة لعنف الشرطة، وغالباً ما كانت تسفر عن مقتل مواطنين سود جدد واعتقال عشرات الأشخاص المشاركين في الاحتجاجات.
وأحصت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية نحو ١٠٩٦ شخصاً قتلوا برصاص الشرطة في الولايات المتحدة عام ٢٠٢٢، وهو رقم مشابه لأرقام السنوات السابقة التي قتل فيها ما يقرب من ألف شخص بهذه الطريقة.
وحسب معلومات جمعها موقع “خرائط الشرطة الأمريكية” المتخصّص برصد انتهاكات الشرطة، فقد أدّى العنف الذي تستخدمه الشرطة الأمريكيّة إلى مقتل نحو ٧٦٦٦ شخصاً بين عامي ٢٠١٣ ـ ٢٠١٩، و٩٥ بالمئة من المواطنين الذين قتلوا بسبب عنف الشرطة فقدوا حياتهم في أثناء الاحتجاز في مراكز الشرطة، بينما كانت كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا هي الولايات التي تسجّل أعلى مستوى من عنف الشرطة.
وحسب المصدر نفسه، يتعرّض السود الذين يشكّلون نسبة ١٣.٤ بالمئة من سكان الولايات المتحدة، لعنف الشرطة بمعدل ضعفين ونصف زيادة عن البيض.
وبعد سلسلة جرائم ارتكبتها الشرطة الأمريكيّة ضدّ المواطنين السود، ارتفعت أصوات تطالب بوقف تمويل الشرطة أو تفكيك أجهزتها، غير أنّ الانقسامات السياسيّة بين الأحزاب الأمريكيّة حالت دون سنّ قوانين جديدة تحدّ من عنفها وممارساتها القمعيّة ضدّ الأقليّات.
وفيما يتعلّق بالحلول، قدّم ناشطون اقتراحاتٍ لإصلاح جهاز الشرطة ومكافحة الأعمال والممارسات الوحشيّة لعناصر الشرطة، عن طريق اتخاذ تدابير رادعة وسنّ تشريعات تحدّ من الأعمال الوحشيّة مثل قانون العدالة لعام ٢٠٢٠.
ونتيجة لتصاعد وتيرة العنف والعنصرية من عناصر الشرطة تجاه المواطنين السود دعت الأمم المتحدة السلطات الأمريكية إلى احترام الحريات وعدم التمييز، مطالبة إياها بتعزيز محاسبة أفراد الشرطة على أفعالهم. وعبرّت منظمات حقوقية ومؤسسات دولية عن قلقها بشأن عنف الشرطة الأمريكية والاستخدام المفرط للقوّة من عناصر الشرطة ضدّ المحتجين وكذلك الاعتقالات.
إنّ العنف الذي تمارسه الشرطة الأمريكيّة ضدّ المواطنين السود يعكس ثقافة منتشرة على صعيد المجتمع الأمريكي عامّة، ومؤسّسة الشرطة تتساهل حيال الإفراط في استخدام القوّة ضدّ الأقليّات، وتتخذه نهجاً مدروساً ومستمرّاً.