ثقافةصحيفة البعث

التنين هياو ميازاكي يعود من جديد

جمان بركات
كل الغيابات تنتهي بنهايات سعيدة تمحو أثر الفراق، ولكن حين يكون الغائب محملاً بهدايا نفيسة وقيمة فبالتأكيد لحظات هذا الفراق تعوض.
هياو ميازاكي طال غيابه ولكن كما يقال العود حميد، كل محبي الرسوم المتحركة اليابانية الأنيمي والرسوم الكلاسيكية على وجه الخصوص شعروا بالغبطة والسرور للإعلان الرسمي في اليابان عن بدء عروض فيلم رائد الرسوم المتحركة المميز هياو ميازاكي بعنوان “الصبي ومالك الحزين” وهي بمثابة دعوة لعالم من الخيال والبهجة والسحر كما عودنا ميازاكي في كل أفلامه، وكانت أيضاً بمثابة مفاجأة سينمائية جميلة، فقد عمل عليه برفقة فريق من 60 رساماً لمدة سبع سنوات، وحظي بعرض سينمائي واسع حول العالم، سواء على الشاشات العادية أو الآيماكس.
ومؤخراً فاز فيلم “الصبي ومالك الحزين” بجائزة غولدن غلوب لأفضل فيلم رسوم متحركة، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها عمل بلغة غير الإنكليزية ومرسوم باليد، ومن المتوقع منافسة الفيلم بقوة على الأوسكار هذا العام خاصة مع ضعف الأفلام الأميركية التي عُرضت خلال 2023.
في الحقيقة، الذي يربط الناس بأفلام ميازاكي هي تلك المقدرة المميزة على مزج الأساطير اليابانية والتراث الشعبي بالفن بطريقة خلابة، وحين بدأت عروض الفيلم في دور السينما تهافتت العائلات اليابانية بكثافة غير مسبوقة، وهذا الأمر ليس إلا دليل يعبر عن أهمية ميازاكي وما تركه ويتركه من أثر في قلوب العائلات والكبار الذين تربوا على عوالمه المدهشة. يتميز ميازاكي بقدرته على التأثير وبناء جسور من الثقة عبر الأجيال، والكثير من الأسر في الثقافة الشرقية تورث حب الأدب والفن ورموزه لأبنائها وهياو ميازاكي صاحب حصة عظيمة في خلد الأسرة اليابانية، وذلك يبدو واضحاً من خلال الاحتفاء به وبأعماله على مر الأجيال.
“مناهضة للحرب” “إنقاذ رمزية الأنثى” “تقديس الأرض” كلها مفردات نجدها واضحة وجلية في خلفية الأحداث الخاصة بأبطال أفلامه.
مبدع “عدنان ولينا” يأبى إلا أن يكون موضع اهتمام وتقدير كل حين وحين، فبعد غياب عشر سنوات عن الشاشة الكبيرة وقرار اعتزاله للعمل، فتح ميازاكي صندوق مفاجآته ليطل علينا بعمل أسطوري جديد، كما توضح للمتابعين من الفيلم الترويجي القصير للإعلان عن فيلمه.
تحكي الرواية قصة صبي يبلغ من العمر 15 عاماً وتسرد تفاصيل كيف أن الأحداث التي تمر معه في المدرسة والتفاعلات مع الأصدقاء وعمه كلها لعبت دوراً في تكوين شخصيته بالإضافة إلى التدبر في مكانته في المجتمع وفي معنى الحياة.
“الصبي ومالك الحزين” من كتابة وإخراج هياو ميازاكي، ومن إنتاج استوديو جيبلي، يبدأ الفيلم بأصوات صفارات إنذار تحذر من غارات جوية تتردد في سماء طوكيو، في عام 1944 ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها، ينزح الصبي الذي يُدعى ماكي ماهيتو إلى الضواحي مع والده صاحب مصنع ذخيرة، بعد أن قُتلت والدته في قصف أمريكي، تزوج والده من أختها الصغرى ناتسوكو، يبدأ الثلاثة في العيش معاً ولكن ماهيتو لا يتمكن من تقبل ناتسوكو أو الجنين الذي ينمو في أحشائها، ويبدأ بداية سيئة في المدرسة أيضاً.
ثم يسمع ماهيتو والدته تطلب منه المساعدة، يظهر له طائر مالك الحزين رمادي اللون يخبره أنها والدته وأنها لم تمت وأنها تنتظره لينقذها، في اليوم الذي وجد فيه ماهيتو نسخة من “كيف تعيشون؟” الذي تركته والدته له، تختفي ناتسوكو، يذهب ماهيتو للبحث عنها، ويدخل برجاً في أحد أركان عقاراتهم، البرج مشيد من قبل عم ناتسوكو، وهو قارئ نهم اختفى أيضاً، يسافر ماهيتو سوياً مع مالك الحزين إلى عالم آخر، حيث يلتقي مجموعة من الشخصيات الغامضة.
مالك الحزين الأنموذج الشعبي والرمز الممتد على كل الجغرافية الأسيوية في الحكايات يصطحب الطفل ماهوتو بطل الحكاية في رحلة إلى عوالم مدهشة ومبهرة من بنات أفكار ميازاكي المعتادة، في الواقع هي وجبة أقل ما يقال عنها سحر ممزوج بالألوان وبرائحة الشرق العتيق هي عنوان مشاهدتنا لفيلم ميازاكي الجديد.