الهندسة الافتراضية لصورة أمريكا؟
تحسين صورة أمريكا لدى شعوب العالم هو استراتيجية أمريكية اشتغل ويشتغل عليها منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في محاولة منه وباقتراح من لجنة تم تشكيلها لمعرفة أسباب الكراهية التي يحملها الكثير من شعوب العالم لها، نظراً لما تنتهجه من سياسات ذات طابع عدواني تجاه تلك الشعوب، ولمحاولة تحسين تلك الصورة تم استحداث منصب وكيل وزارة في الخارجية الأمريكية للشؤون العامة أسند للسيد جيمس كلاسمان، وهو شخصية عامة لها حضور كبير في وسائل الإعلام تبوّأ عدة مناصب في مؤسسات ثقافية وإعلامية، منها إذاعة سوا والحرة، إضافة إلى اشتغاله في تقانات التواصل الشبكي والافتراضي وعالم الدارات الإلكترونية المغلقة.
كلاسمان هذا كان يعتقد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة وعبر وزارة الخارجية الأمريكية، لم تحسن شرح السياسة الأمريكية للرأي العام العالمي ولم تستطع أن تربط السياسة الخارجية الأمريكية بما يطلق عليه – ادّعاء- منظومة القيم الأمريكية من ديمقراطية وعدالة وحقوق مرأة، ما تسبّب في درجة عالية من الكراهية على المستوى العالمي تجاه السياسة الأمريكية، وبهدف تحسين وتصويب تلك الصورة وضع كلاسمان استراتيجية تعتمد على وسائل التقانة الحديثة من شبكات تواصل اجتماعي ودارات إلكترونية لحوارات مفتوحة وتشكيل اتحاد شبابي – منظمة تحالف حركات الشباب – ذات طابع دولي تبدي الاهتمام بقضاياهم وترتب مؤتمراتٍ وزياراتٍ لهم لأمريكا، إضافة إلى دعوة إعلاميبن من كل دول العالم للاطلاع على الإنجازات الأمريكية على صعيد التقانة الإعلامية وآليات عمل مراكز الأبحاث والدراسات والتعمّق بمعرفة المجتمع الأمريكي من الداخل، بحيث تتغيّر الصورة النمطية الأمريكية عند هؤلاء ومن خلالهم إلى مجتمعاتهم عبر وسائل الإعلام التي يعملون فيها بهدف الوصول إلى قناعة أن أمريكا هي (مملكة الفرص المتساوية).
وإعمالاً لذلك، تم إطلاق موقع إلكتروني منذعدة سنوات يتبع لوزارة الخارجية الأمريكية بعنوان second life، وهو موقع الكتروني ثلاثي الأبعاد ويعني الحياة الثانية، هدفه الترويج لسياسات كهذه من خلال إيجاد حالة تواصل مع أكبر عدد من التنظيمات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني والمدونين وغيرهم، بهدف تركيز الجهود على عدد من القضايا التي تضعها الولايات المتحدة الأمريكية أولويات لسياساتها لتكون في دائرة الاهتمام لدى شعوب بلدان بعينها، حيث تتراجع القضايا التي لا تخدم الأجندة الأمريكية في أولويات وسائل الإعلام المستهدفة، ما يعني أنها لم تعُد ذات تأثير في أوساط الرأي العام، ويتيح الموقع المذكور الذي يشبه عالم الفيسبوك التواصل عبر دارات افتراضية لناشطين من معظم أنحاء العالم لمناقشة الكثير من القضايا التي تتحكم بها بالنتيجة إدارة الموقع.
جيمس كلاسمان صاحب فكرة استخدام التكنولوجيا الحديثة لتحقيق الاستراتيجية الأمريكية عبر العلاقات العامة هو نفسه واضع أيديولوجية Grass. Roots أي جذور العشب، بحيث تتغلغل عناصر الدولة ذاتها بعملية هدم متدرّج لمؤسساتها وبناها المجتمعية من خلال وجود المجموعات التي تدّعي التغيير والإصلاح والتنمية في مفاصل متعدّدة من المجتمع وهيئاته ومؤسساته الرسمية والمدنية، ما يعني أنها تقدّم خدمة مجانية للقوى الخارجية – أي مشغّليها – دون أن يرتب هدم وتخريب مؤسسات الدولة المستهدفة أية تكلفة أو عبء مادي وبشري، وهو ما أطلق عليه الحروب بالقوة الناعمة والذكية أي حروب بوسائل ما بعد الحداثة بدل الحروب بالقوة الصلبة والتقليدية.
إن فشل الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق أهدافها أو ما تطلق عليه مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي عبر القوة الغاشمة والمفرطة نتيجة مقاومتها من قوة حية بدت فاعلة على مسرح الأحداث، هو الذي دفعها عبر راسمي استراتيجياتها إلى التفكير في استخدام أساليب غير نمطية كهذه تعتمد على التقانة الإعلامية التواصلية الحديثة للترويج لسياساتها والاشتغال على ما يطلق عليه جاذبية الأنموذج الأمريكي وباستخدام القوة الناعمة والذكية.
من هنا تأتي أهمية تسليط الضوء على أساليب كهذه بهدف تنوير الرأي العام بها ومواجهتها عبر الوسائل ذاتها، فالواضح من كل ما تمّت الإشارة إليه أن تلك الاستراتيجية تعتمد على عناصر ثلاثة مرسل أمريكي ومتلقّ خارجي وخطاب أو مضمون تحريضي أو تضليلي لكنه جذاب؟.
د. خلف المفتاح