“الإساءة للوظيفة الحكومية”…؟!
بشير فرزان
لم يختلف الأداء الوظيفي رغم سنوات من العمل المتواصل في مجال الإصلاح الوظيفي وتصويب العمل وترميم العلاقة مع المواطن، حيث لاتزال تلك التصرفات والممارسات الخاطئة
حاضرة، وتختلف طرق وأساليب ترجمتها داخل المكاتب الوظيفية التي تدرج نشوتها تحت بند (طعمي الفم تستحي العين)، حيث اعتاد المواطن على سماع الكثير من العبارات الترحيبية التي تغازل قضيته وحاجته مهما كانت لتجرّ فيما بعد إلى موعد حتمي داخل الأدراج المفتوحة التي تبتلع آلاف الليرات يومياً، سواء لتسهيل المخالفات وتمريرها أو للقيام بالعمل والمهمّة المطلوبة من الموظف حتى ولو كان ذلك ضمن الأنظمة والقوانين.
وطبعاً إزاحة الستارة أو الغطاء عن مخالفات الموظف الحكومي على اختلاف المستويات والذي بات “سيئ السمعة” إن صح التعبير.. تكشف لنا مدى خطورة الواقع الذي يعيش حالة من الفوضى والعشوائية في ظل المواجهة الساخنة التي تدور رحاها بين الفهم الشعبي الجديد للمخالفات، بما في ذلك الاجتهادات الشخصية والتفسيرات القانونية التي تحاصر روح القانون وتمنعها من تحقيق الهدف الذي وجدت من أجله، وبين القوانين والأنظمة التي حرفتها الأذرع التنفيذية عن مسارها دون وجه حق وبشكل تغيب معه صحة التوجّه وصوابية الرؤية القانونية للمشرع الذي يعمل ويسعى من خلال القانون إلى ردم الفجوات وتجاوز الأخطاء المتراكمة وحلحلة العقد وإنصاف الناس الذين يطرقون الأبواب بحثاً عن حقوقهم المطمورة بين مئات القوانين والتعاميم والبلاغات المنزلقة في نفق عدم التطبيق.
ويمكن تعميم هذه الحالة على الكثير من القضايا التي لها علاقة ببعض موظفي الدولة الذين يمتهنون تجارة القانون، بمشاركة ومساهمة من الناس الذين باتوا أكثر التصاقاً بمنظومة (الشطارة) التي حلّت مكان مصطلح (الفساد) في مجتمعنا الذي يعاني من انفصام أخلاقي واجتماعي وقانوني مخيف، بعد أن استفحلت فيه المخالفات لدرجة أن كلّ مراجع لأي جهة حكومية لديه قناعة بأن قضيته لن تمرّ إلا بعد دفع فاتورة غياب سلطة القانون، وبشكل أصبحت معه خدمات كثيرة مأجورة لصالح المنفعة الذاتية على حساب سمعة العمل المؤسساتي وعلاقة وثقة المواطن بالمؤسّسات الحكومية.
ولا شكّ في أن الاستمرار في مشروع تجميل الكثير من المخالفات والممارسات وتبريرها بالظرف المعيشي، وضعف الدخل الوظيفي، يشكّل غطاءً شرعياً لممارسات الموظف الخارجة عن القانون وضد مصلحة المواطن والمؤسّسة التي يعمل بها.. ولا شكّ أن اعترافنا بكثرة القوانين التي تنظم يوميات الناس بكافة تفاصيلها يقابله الإصرار على أن العبرة تبقى في التطبيق والقدرة على لجم المخالفات أياً كانت.