كراج طرطوس “ينام” قبل مغيب الشمس.. والمواطنون يعيشون يوميات صعبة بسب قدم المركبات!
لؤي تفاحة
مضى على استخدام سرافيس النقل العمومي بين ريف طرطوس ومدينتها حوالي أربعين عاماً، شكلت خلالها حركة نشطة بين الريف والمدينة، وبأجور مناسبة لجيب المواطن، ورغم بعض الشكاوى، غير أنها لم تكن ذات تأثير مقارنة بوصول السرافيس إلى أقصى قرية. ولكن اليوم، وبعد مضي هذه المدة الزمنية الطويلة على الاستخدام اليومي الشاق في ظلّ طبيعة جبلية صعبة وطرقات سيئة، عدا عن أن وسائل النقل تجاوزت العمر الافتراضي المحدّد لها (20 عاماً) اعتباراً من تاريخ الصنع، تشوهت الصورة القديمة الجميلة وتلاشت أمام منظر الزحمة، وهياكل السرافيس والباصات المهترئة التي تحتاج لمبالغ خيالية لا يقدر أصحابها على دفعها في ظل ارتفاع قطع التبديل وأجور اليد العاملة!
بين التصليح والجديد
أثناء الحديث مع بعض السائقين وأصحاب السرافيس، لم ينكروا حق الراكب ومطالبته بوسيلة نقل آمنة وذات شكل مقبول، غير أنهم اشتكوا من غلاء قطع التبديل وأسعار مواد صيانة المركبات المهترئة، وأجور الأيدي العاملة التي باتت مكلفة جداً. فعلى سبيل المثال، تبلغ كلفة تنزيل أي محرك أو إجراء عمرة صيانة بحدود الـ 10 ملايين ليرة، نظراً لعدم توفر المحركات الجديدة بسبب الحصار وارتفاع سعر الصرف بالإضافة لارتفاع أجور معلمي الميكانيك وما يتقاضونه من أجور خيالية، عدا عن أن الشغل لم يعد “يجيب همه” حسب قولهم، فيما أبدى البعض منهم مخاوفه “المشروعة!؟” من عملية استيراد “سرافيس” جديدة في ظل هذه الظروف المادية والمعيشية الصعبة على الجميع، حيث يكون من المتعذر عليهم تأمين ثمنها فيما لو فكرت الحكومة بمنح إجازات استيراد نظراً لعدم القدرة على دفع ما يترتب عليها من أثمان مقابل شرائها.
الحل الأمثل
بالمقابل، فقد عبر العديد من مستخدمي هذه السرافيس، ولاسيما في مناطق الريف الجبلية والبعيدة، من مخاوفهم من ركوبها نظراً لما تشكله من مخاطر نتيجة افتقادها لعوامل الأمان، فالدواليب قديمة، والمحركات في أسوأ أحوالها، حيث تتعطل المركبة أكثر من مرة على الطريق، مشيرين إلى وقوع العديد من الحوادث المؤسفة بسبب الحالة الفنية السيئة.
كما شكا البعض من طريقة حشر الركاب فوق بعضهم أكثر من السعة المحدّدة بحجة أزمة النقل وغلاء المازوت وارتفاع أجور الصيانة وقطع الغيار وغير ذلك، وبرأيهم أن الحلّ الأمثل لهذه المشكلة المزمنة هو بتأمين باصات جديدة تحقق الوصول والركوب الآمن التي باتت أكثر من مهمة نظراً لكونها الوسيلة الوحيدة بعد اضطرار غالبية أصحاب السيارات الخاصة لركنها واستخدام هذه الوسيلة بديلاً عنها في ظل عدم قدرتهم على تعبئتها بالبنزين أو المازوت نظراً لارتفاع ثمنه المستمر.
رأي نقابي
غازي يونس رئيس نقابة النقل البري في طرطوس أوضح أن فكرة استبدال أسطول النقل في المحافظة هي فكرة جيدة من حيث المبدأ ولا اعتراض عليها، وذلك بسبب ما يعانيه أصحاب السرافيس والسائقون من كلف مالية باهظة جراء عمليات الصيانة وتبديل للزيوت بسبب انتهاء العمر الافتراضي لهذه المركبات، ولكن في الوقت ذاته من حقنا كنقابة ونمثل هؤلاء السائقين أن نسأل هل بمقدور أحد منهم أن يشتري مركبة يصل سعرها إلى أكثر من 300 مليون ليرة، وفي ظل هذا الظرف الاقتصادي وتغيرات سعر الصرف وغيره؟!
كلام رسمي
من جانبه، بيّن المهندس آصف حسن عضو المكتب التنفيذي المختص لقطاع النقل في محافظة طرطوس أن أسطول النقل الجماعي العام يعاني من عدة مشكلات، أهمها القدم نظراً لمرور أكثر من ٢٥ عاماً على وضعه بالخدمة، وبالتالي أصبح بحالة فنية سيئة لجهة استهلاك الوقود الزائد بسبب قدم محركات تلك المركبات ولجهة الحالة الفنية العامة للهيكل والمقاعد وغيرها، عدا عن حالة الطرق السيئة التي تؤثر سلباً على وسيلة النقل والراكب. وبرأيه، هذا يستدعي الإسراع بإدخال باصات جديدة بهدف تأمين راحة وأمان الركاب وتوفير استهلاك المحروقات، مشيراً إلى وجود إجراءات إدارية مركزية للسماح لشركة استثمارية بإدخال باصات تعمل بالطاقة الكهربائية، وبيّن أن نصيب محافظة طرطوس منها سيكون بحدود الـ ١٥٠ باصاً، سعة ٢٣ راكباً وما فوق، وسيتمّ توزيعها على خطوط داخل المدينة وبين مركزها في المدن والأرياف من أجل تخفيف حالة الازدحام، كاشفاً بالوقت ذاته عن وجود نحو 3700 آلية موزعة على كامل المحافظة منها 700 مركبة ضمن المدينة بالإضافة لبلدتي الشيخ سعد ودوير الشيخ سعد وجميعها تعمل وفق نظام الـ “جي بي أس”.
من خلال ما تقدّم، ليس من الحكمة غضّ الطرف عن معاناة قطاع النقل العام وعدم الحديث جدياً بوضع خيارات كبدائل مستدامة لتخديم المواطنين وتلبية مطالبهم بالوصول إلى منازلهم أو قراهم. وفي نظرة لواقع كراج الانطلاق الجديد في طرطوس، نجد أنه يغلق أبوابه بعد مغيب الشمس، وهذا بلا شكّ مؤشر لانعدام أحد أهم شرايين الحياة في محافظة يقال عنها بأنها سياحية والمحافظة الأولى تعليمياً، فيما أبناؤها لا يجدون وسيلة نقل تقلهم إلى منازلهم في ريف القدموس أو الشيخ بدر أو باقي المناطق!