فرنسا تغرّد خارج السرب
هيفاء علي
في الأسبوع الماضي، دعا ماكرون إلى اجتماع أزمة لمناقشة الأوضاع المتدهورة في ساحة المعركة في أوكرانيا بعد سيطرة روسيا على بلدة أفدييفكا المحصّنة، وشارك في هذا الاجتماع كبار ممثلي الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا.
وعلى الفور سارع المشاركون الآخرون في الاجتماع إلى الإعلان عن رفض هذا الاقتراح، وعلى رأسهم المستشار الألماني أولاف شولتز، الذي شارك في مفاوضات باريس، ورفض اقتراح ماكرون بشكل قاطع، معلناً أنه لن يكون هناك جنود على الأراضي الأوكرانية ترسلهم الدول الأوروبية أو الدول الأعضاء في الناتو.
وقد ردّد قادة الناتو الآخرون بيان شولتز، تاركين فرنسا وحدها تغرّد خارج السرب لتتحمّل عواقب تهوّر ماكرون. وحتى عندما سارع الناتو إلى توضيح موقف ماكرون، أوضحت روسيا العواقب التي قد تترتب على النشر المتسرّع لقوات الناتو في أوكرانيا.
والدليل الأكثر وضوحاً على أن قادة الناتو لا يدركون عواقب أفعالهم هو نص المحادثة، التي نشرتها رئيسة تحرير قناة “ارتي”، والتي يناقش فيها أربعة من كبار الضباط الألمان كيف يخططون لتنفيذ التعليمات التي قدّمها لهم وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس فيما يتعلق بتسليم صاروخ كروز طوروس إلى أوكرانيا.
وبالتالي، فإن تأكيدات المستشار الألماني شولتز بأن ألمانيا لن تتورّط بشكل مباشر في الصراع الأوكراني لم تكن أكثر من مجرد كذبة، فبالإضافة إلى المشكلات اللوجستية المرتبطة بنقل هذه الأسلحة، ناقش الضباط الألمان إمكانية استخدامها، ولا سيما لمهاجمة جسر القرم الذي يربط شبه جزيرة القرم بجنوب روسيا.
وكان شولتز متردّداً في الانضمام إلى بريطانيا وفرنسا، اللتين نقلتا صواريخ ستورم شادو وسكالب بعيدة المدى، على التوالي، إلى أوكرانيا، حيث أشار شولتز بعد اجتماع باريس إلى أنه “ما يتم القيام به فيما يتعلق بالسيطرة وتتبع الأهداف من البريطانيين والفرنسيين لا يمكن القيام به في ألمانيا”، في إشارة إلى الدور غير المباشر الذي تلعبه بريطانيا العظمى في السماح للطيارين الأوكرانيين بإطلاق صواريخ “ستورم شادو، وسكالب”. وأضاف شولتز: إن كل من تعامل مع هذه الأنظمة يعرف ذلك، ما يشير ضمناً إلى حاجة الأفراد العسكريين الألمان إلى لعب دور مباشر في استهداف صاروخ طوروس واستخدامه “لا في ألمانيا ولا في أي مكان آخر”.
وعليه، يبدو أن شولتز يفهم العواقب المحتملة لتورّط ألمانيا في توجيه وتشغيل أي صاروخ طوروس تستخدمه أوكرانيا ضد روسيا، لافتاً إلى أن هذا التوضيح ضروري، ورغم ذلك لم يحرّك أحد ساكناً، متسائلاً عمّا إذا كان ما يقوم به الأوروبيون لن يؤدّي إلى الانخراط في الحرب. ومن الواضح أن هناك فجوة بين المستشار الألماني ووزير دفاعه، وفي الوقت الذي لم يدرك فيه الضباط الألمان ووزيرهم العواقب المحتملة لأفعالهم، واصل الجيش الروسي، بعد يوم من خطاب بوتين أمام البرلمان الروسي، “تدريباً قتالياً على إطلاق صاروخ متنقل يعمل بالوقود الصلب”. الصاروخ الباليستي العابر للقارات ” يارس”، المجهز برؤوس حربية متعددة، الذي تم إطلاقه من مركز تجارب بليسيتسك الواقع جنوب سانت بطرسبرغ، ويمكن أن يحمل ما بين ثلاثة إلى ستة رؤوس حربية نووية موجّهة بشكل منفصل.
وحسب وزارة الدفاع الروسية، فإن “الرؤوس الحربية التدريبية وصلت إلى المنطقة المحدّدة في ساحة تدريب كورا في شبه جزيرة كامتشاتكا”، بعد أن قطعت مسافة تقارب 6700 كيلومتر. لذلك وحسب المراقبين، فمن الحكمة أن يفكّر الألمان طويلاً في قراراتهم، وهو ما قد يؤدّي إلى التعجيل بالصراع الذي، كما أشار بوتين، “قد يعني نهاية الحضارة”.