إذاعة حلب تودّع محمود خياطة
حلب- غالية خوجة
ما تزال إذاعة حلب حاضرة على الأثير منذ عام 1949، ولها ذكريات في المجالات المختلفة الثقافية والفكرية والموسيقية والدرامية، وأرشيفها كنز من كنوز الزمن الجميل الممتد إلى حاضرها، ولا سيما في مجال الموشحات والقدود الحلبية التي وثقتها اليونسكو عام 2018 من التراث العالمي.
لكن، أين التوثيق الورقي والإلكتروني لأعلام حلب، ولإذاعة حلب كذاكرة لمدينة ومرحلة تاريخية، على الرغم من أن أرشيف الإذاعة يعدّ كنزاً من الكنوز وتراثاً إنسانياً محلياً وعربياً وعالمياً؟ وهل يعقل ألّا أجد أي مصدر للكتابة عن الإذاعة وأرشيفها ومدرائها إلا من خلال المشاركين معنا في هذه المقالة، وهما الإعلامي عبد الخالق قلعه جي، والإعلامي عبد الكريم عبيد.
هنا حلب من دمشق
وكان الدكتور فؤاد رجائي أول مدراء إذاعة حلب الشهباء، وكذلك الإعلامي محمود خياطة الذي غادرنا عن عمر 93 عاماً، عضو اتحاد الصحافيين، الذي شغل منصب مدير إذاعة حلب منذ أوائل السبعينيات لعام تقاعده 2002، أي أمضى من عمره 28 عاماً مديراً للإذاعة.
وعن أهم ما يتصف به على الصعيدين الشخصي والمهني، أخبرنا الإعلامي عبد الخالق قلعه جي المدير السابق لإذاعة حلب أن الراحل بدأ حياته الإعلامية المهنية من هيئة الإذاعة والتلفزيون، ثم تولّى إدارة إذاعة حلب، وأعدّ برامج متنوعة، وأعطى اهتماماً كبيراً للبرامج الخدمية ومنها برنامجه المهم “خدمات للمواطنين”، وبرنامج “هنا حلب” لصوت الشعب من دمشق وهو برنامج ثقافي، فني، اجتماعي، منوع، استمر لفترة طويلة.
وتابع قلعه جي: “وكان حريصاً على حضور فعاليات المحافظة إذاعياً مثل المهرجانات والأمسيات، وكان بارعاً بموضوع الخطابة، ولا سيما أنه مجاز باللغة العربية من جامعة حلب، يتولّى عرافة الحفلات والمهرجانات والمؤتمرات مثل مهرجان القطن والاحتفال بيوم الجلاء، كما مثّل القطر بأكثر من مناسبة خارج سورية، أيضاً، استقطب خياطة أعلام المدينة كمعدّي برامج، ومنهم الدكتور فايز الداية، محمود فاخوري، وكان له تعاون مميز مع عبد الفتاح قلعجي ببرنامج يومي، وللأمانة، على الصعيد الشخصي، فتح لي أبواباً كثيرة بعدما عرفني بعمق، وفتح لي المجال كاملاً لثقته الموضوعية التي وصل إليها مبكراً”.
يلزمنا بعض الوفاء
وأضاف قلعه جي: “بعض الوفاء للقامات الكبيرة التي كرست نفسها وحياتها والأمكنة التي كانت مرتبطة فيها ومعها وشكّلت كل شيء بالنسبة إليها، لكننا لا نعطي الوفاء والتكريم اللازمين عموماً سواء في حياة الإنسان أم في مماته، وهذا موروث مستجد غير إيجابي، لذلك، نتمنى من الجهات المعنية ذات الصلة العمل على توثيق سيرة حياة وعطاء أعلام حلب وقاماتها الفكرية والثقافية والإعلامية والفنية بشكل لا يقتصر على جهد شخصي، بل أن يكون هناك نهج مهم في هذا المجال لإغناء تراثنا المادي واللا مادي، بحيث أن النتاج المستمر الذي نصل إليه يشكّل جزءاً مهماً من ذاكرة المدينة وتراثها كضرورة توثيقية وحياتية ومستقبلية على الصعيد الشخصي والمهني والإنساني والقيمي ورقياً والكترونياً وبكل أشكال ووسائل التوثيق”.
فن مخاطبة الآخر
وبدوره، قال عبد الكريم عبيد مدير المركز الإعلامي والتلفزيوني في حلب، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصحافيين في سورية: “كان محمود خياطة يعمل برتبة فني في بداية مشواره الإذاعي، وسجّل في قسم اللغة العربية وتخرج بامتياز، ثم تولّى إدارة الإذاعة، ومنذ قدومه، وحسب معاصرتي له في تلك الفترة، وضع رؤية إدارية ترتكز إلى منهجين، أولهما المنهج الفني، وثانيهما المنهج الإداري، إلى جانب تطوير المجال المهني والإعلامي”.
واسترسل عبيد: “والملاحظ نزوحه إلى المجال الإعلامي واهتمامه بالزملاء الإعلاميين مهنياً، مثلاً التركيز على نبرة الصوت، واللغة، والاحترام، ومخاطبة الآخر، وفي ذلك، كان يقول: “مخاطبة الآخر عبارة عن فن”، وكان يميز بين الإعلام المكتوب والتلفزيوني والإذاعي الذي يعتمد على مهارة فريدة لجذب انتباه المستمع من خلال فنيات النبرة الصوتية واللغوية وأداء المعنى واحترام المستمع، ولم يكن يقبل أية هفوات في المجال الفني”.
وتابع: “كان يربط بين معادلة الأداء الإعلامي بالجانب المادي، وله مقولته: “الصحافي غير المرتاح مادياً لن يطور نفسه في الجانب المهني”، وما نزال نطالب بتحسين الوضع المادي والعائلي، كما أنه كان يطالب بتحسين أوضاع الصحافي من خلال دورات مهنية والإيفاد الخارجي”.
شغف وعشق
وتوقف عبد الكريم عبيد عند بعض الذكريات، ومنها أن إذاعة حلب كانت شغف محمود خياطة، يأتي صباحاً ويعطي إشارة البداية لإطلاق النشيد الوطني وإشارة الاختتام به، أي أنه موجود طيلة اليوم في مقر الإذاعة، وكان أحياناً ينام في مكتبه، مؤكداً أنّ: “إذاعة حلب عشقه، وهي توءم إذاعة دمشق، وهذا العشق انعكس على حضور الإذاعة بين الأهالي”.
أين الذاكرة التوثيقية؟
أمّا عن التوثيق، فأجابنا عبيد: “نحتاج إلى تجديد الروابط الإنسانية والاجتماعية بيننا في مدينة حلب، وعلى مختلف الأصعدة وتنوعاتها وفئاتها الفنية والإعلامية والثقافية، وجميعنا نؤدي دوراً وطنياً واحداً، وبالنسبة لأرشيف إذاعة حلب فهو موثق، لكن، معك حق، غير موجود كمصادر ومراجع ورقية أو إلكترونية، ونحتاج إلى أن تتضافر الجهود من أجل تاريخ حلب”.