من يدفع “الأمور” للسير باتجاه خاطئ؟!!
أحمد حسن
فجأة، اكتشف مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسن، أن “المؤشرات كافة تشير إلى الاتجاه الخاطئ، سواء تعلق الأمر بالأمن أو الاقتصاد أو المسار السياسي”، وأننا، من أجل احتواء تلك التحديات، “نحتاج إلى إحراز تقدم على الجبهة السياسية”؛ وللحق، فإن هذا ما يقال فيه: “كلام حق يُراد به.. “.
فالرجل الذي تحدث عن حاجة 16.7 مليوناً من السوريين “إلى المساعدة الإنسانية، وهو أكبر عدد من المحتاجين منذ بدء الصراع”، تجاهل أن “حفظ النفس” يحظى في كل الشرائع بالأولوية على ما عداه. وبالتالي، فإننا الآن، كسوريين، وكوسيط أممي يسعى لـ “حفظنا” – على ما يفترض أمر توكيله – نحتاج إلى “مكان” تقرّ فيه الدول التي تتسبب بكارثتنا الإنسانية بخطئها، قبل أن نحاول فرض “مكان” ترفضه دمشق – وهذا حقها المشروع قانونياً وأممياً لأنه حاد عن حياده، وللدقة أكثر لأنه كشف ما كان يستره بورقة توت الحياد المزعوم – لنبحث فيه “حلّاً سياسياً” يعرف بيدرسون، قبل سواه، حقيقتين جليتين بشأنه: أولهما أن الطرف المسمى بـ “المعارضة” لا يملك من أمره شيئاً، حتى أنه شُكّل وسُمّي في أروقة خلفية لمكاتب مخابرات معروفة، وبالتالي لا يملك “حلّاً” سوى الحل الذي تريده واشنطن وأتباعها منذ البداية، وهو “حلّ” سورية بهدف الاركاع والاستتباع.
أما الحقيقة الثانية، التي يعرفها بيدرسون، فتقول إن هؤلاء الواقعين تحت ربقة الأزمة الإنسانية غير المسبوقة هم ضحايا لمن يفرض علناً، وببيان رسمي – أصدرته كل من حكومات الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا – شروطاً مسبقة على إخراج سورية من أزمتها، سواء عبر عملية تمويل إعادة الإعمار أو رفع العقوبات، وإن هؤلاء الـ “16.7 مليوناً” تحولوا إلى رهائن فعليين في أيدي هؤلاء “القتلة” في سبيل تنفيذ مخططاتهم التي “تهدف بالمقام الأول إلى إطالة أمد الأزمة في سورية، وفرض أطر سياسية تخدم مصالحهم وتلبي أجنداتهم الضيقة”، كما قال بيان الخارجية السورية المتعلق بهذا الشأن.
بهذا المعنى، لا يمكن، في هذه المرحلة، أن تمنح اللجنة الدستورية، بشكلها وتوجّه بعض أطرافها الحالي، الأمل للشعب السوري، كما يقول بيدرسون، خاصة أنه وهو يناشد “الأطراف الدولية الرئيسية دعم جهود الأمم المتحدة بوصفها ميسّراً، والامتناع عن التدخل في مكان اجتماع السوريين”، لم يقل لنا من دفعه إلى التراجع غير المبرّر عن مواقف سابقة له أعلن من خلالها البحث عن مدينة أخرى غير جنيف، وقد عرضت عدة مدن أخرى استعدادها لذلك، فهل لهذا “المكان” تحديداً، وخاصةً بعد إعلانه مغادرة الحياد الدولي، سمة معينة تجعله في نظر بيدرسون مؤهلاً لإعادة توجيه الأمور بالاتجاه الصحيح؟ أم أن الإصرار عليه هو جزء من الخطة التي تدفع “الأمور كي تبقى بالاتجاه الخاطئ”؟ هذا ما ننتظر جوابه، وإن كنا نعرفه سلفاً..
في حراك السياسة، كما في حركة التاريخ، لا شيء يحدث أو يُترك للصدفة، فبعيد سويعات معدودة من وصول بيدرسون إلى دمشق، وصلت صواريخ العدو الإسرائيلي إلى جنوبها. وبالمطلق، ليس للرجل يد بهذا العدوان، لكن، وبالمطلق أيضاً، فإن اليد التي ضغطت على زناد الإطلاق تابعة للجهة التي تدفعه للتشدّد والإصرار على “جنيف”، وتعتبر هذه الصواريخ جزءاً من ذخيرتها لفرض الحل الذي تريده وإبقاء الأمور في مسارها الخاطئ.. والصراع مستمر.