دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة تزرع بذور الصراع مع الصين

عايدة أسعد

فيما يتعلق بسياستها تجاه الصين، قالت إدارة جو بايدن إنها تسعى دائماً إلى المنافسة، وليس الصراع, ومع ذلك فإن ما فعلته مؤخراً فيما يتعلق بالصين لا يؤدّي إلا إلى تفنيد هذا الادّعاء، وأحدث مثال يوضح أن إدارة بايدن تعدّ الصين منافساً نظامياً للولايات المتحدة ويجب مواجهته بكل الوسائل الممكنة هو طلب ميزانيتها للسنة المالية 2025.

إن ريتشارد فيرما نائب وزير الخارجية لشؤون الإدارة والموارد لم يتقن كلماته عندما قال مؤخراً: “إن الولايات المتحدة يجب أن تلجأ إلى جميع الأدوات المتاحة لنا للتفوق على الصين، ولهذا الغرض يتضمّن طلب الميزانية 4 مليارات دولار على مدى خمس سنوات في التمويل الإلزامي، بما في ذلك 2 مليار دولار لإنشاء صندوق دولي جديد للبنية التحتية لتوفير بديل جدير بالثقة لتمويل البنية التحتية الصينية في الخارج، بالإضافة إلى أن الملياري دولار الأخرى مخصّصة لاستثمارات تغيّر قواعد اللعبة لمساعدة دول الهند والمحيط الهادئ على التصدّي للجهود المفترسة”.

من الواضح أن كلا الأمرين يهدف إلى تقويض المشاركة التعاونية للصين مع الدول الأخرى التي اكتسبت زخماً في السنوات الأخيرة بفضل مبادرة الحزام والطريق بشكل رئيسي, تلك المبادرة التي شهدت بناء البنية التحتية وشبكات الطاقة التي تربط آسيا بإفريقيا وأوروبا عبر الطرق البرية والبحرية والتي ساهمت على مدى السنوات العشر الماضية في التنمية السليمة للعولمة الاقتصادية وساعدت في مواجهة تحدّيات التنمية العالمية.

وبهدف التفوّق على بكين, تسعى إدارة بايدن في الواقع إلى الضغط على الدول للاختيار بين الولايات المتحدة والصين، ومحاولة إعادة تشكيل المشهد الدولي إلى مشهد لا يتميّز إلا بالإقصاء والمواجهة، وكل هذا يعكس عدم قدرة الكثيرين في إدارة بايدن والدائرة السياسية في واشنطن على التخلي عن عقلية الحرب الباردة وعقلية المحصلة الصفرية التي تحرمهم من القدرة على احتضان إمكانيات عالم لا تحاول الولايات المتحدة دائماً إثبات أنها صاحبة السيادة فيه.

وكما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية وانغ وين بين رداً على تصريحات المسؤول الأمريكي، من خلال ادّعاء التفوّق على الآخرين، فإن ما تسعى إليه الولايات المتحدة ليس منافسة صحية لكي يصبح المرء أفضل ويحقق التقدم معاً، بل منافسة شريرة تتمثل في محاولة تعثر الطريق ومقامرة متهوّرة على حساب المصالح الأساسية للشعبين الصيني والأمريكي، بل حتى مستقبل البشرية، الأمر الذي لن يؤدّي إلا إلى دفع البلدين نحو المواجهة والصراع.

وفي ضربة أخرى للتطوّر السلس للعلاقات الصينية الأميركية، يسعى مقترح ميزانية الولايات المتحدة لعام 2025 إلى جمع 100 مليون دولار لمساعدة تايوان على تعزيز الردع عبر المضيق، وهي المرة الأولى التي يتم فيها إدراج مثل هذا الطلب المحدّد في الميزانية، وقد وصفت وزارة الخارجية الأمريكية الطلب المستقل في ميزانية 2025 بأنه استثمار تاريخي في أمن تايوان.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوة تتعارض مع الوعود التي قطعتها الولايات المتحدة مراراً وتكراراً بأنها لا تدعم استقلال تايوان وليس لديها أي نية لاستخدام الجزيرة كأداة للحصول على مزايا في المنافسة مع الصين أو لاحتواء الصين، بيد أن اقتراح المساعدات العسكرية فيما يتعلق بتايوان هو في الواقع قنبلة موقوتة تزرعها إدارة بايدن لأنه ينتهك مبدأ صين واحدة بشكل صارخ ويرسل إشاراتٍ خاطئة إلى الانفصاليين في الجزيرة في سعيهم المتهوّر لتحقيق استقلال تايوان.

وأما بكين فقد أكّدت معارضتها بشدة قيام واشنطن بتطوير أي علاقات عسكرية مع تايوان وتسليح الجزيرة لمساعدتها على مقاومة جهود إعادة توحيد البر الرئيسي، وبالتالي فإن الخطوة الاستفزازية التي اتخذتها الولايات المتحدة، إلى جانب اقتراح ميزانيتها فيما يتعلق بتايوان هي خطوة تزرع فيها بذور الصراع مع الصين، ولن تؤدّي إلا إلى جعل البر الرئيسي الصيني أكثر إصراراً على اتخاذ إجراءات حازمة لحماية سيادة البلاد وسلامة أراضيها.