إشكالية لغة الأرقام
معن الغادري
يروق للبعض من المسؤولين والمعنيين، بين الفينة والأخرى، التغني والتفاخر بإنجازاتهم، ظناً منهم أن لغة الأرقام – وهنا لا ندري إن كانت دقيقة أم لا – كافية للقول والتأكيد بأن الأمور بخير وعلى ما يرام.
وللأسف، هذا الاعتقاد راج في حلب خلال الأعوام الماضية أكثر من أي مكان آخر، ما أثار الكثير من اللغط والجدل حول هوية وماهية وأثر الإنجازات التي يتحدثون عنها، وهل نجحت فعلياً في تغيير الواقع وإحداث الفارق المطلوب.
وفي الواقع، ما دفعني للكتابة مجدداً عن هذا الموضوع تحديداً هو الإشكالية ذات الطبيعة غير المسؤولة، والتي تهتم بالقشور، وتبتعد كثيراً عن الجوهر والمضمون، وهو ما يدلل على الضعف والوهن، وعلى عدم القدرة على مواجهة الحقائق وتسمية الأمور بمسمياتها، إلا أن الهدف في هذه المعادلة واضح وجلي، وهو التلميع والتظهير و”البروظة” وحسب، و هو ما يسعى إليه البعض لتغطية فشلهم، وهو ما يراه أيضاً الكثيرون بأنه تضليل و في غير مكانه كونه لا يتصل بالواقع بأي صلة، ولا يتقاطع مطلقاً مع مسارات العمل المتخبطة أصلاً.
ووسط هذا الجدل، وبالعودة إلى لغة الأرقام، ثمة ما يفرض نفسه هنا، ليس أوله عدد الضبوط التموينية المعلن، وليس آخره عدد الفرق الرقابية المشتركة المشكلة على مستوى المحافظة، والتي تتمتع بصفة وصلاحيات الضابطة العدلية، ناهيك عن مبالغ تغريم المخالفين، وما يقال عن تشكيل 72 فريق عمل في الوحدات الإدارية في المدينة وريف المحافظة لإجراء جولات ميدانية ومستمرة على الأسواق والفعاليات التجارية.
وهنا يكبر السؤال: هل نجحت كل هذه الإجراءات و اللجان الرقابية المشكلة بخبراتها وعددها الكبير في ضبط الأسواق وتخفيض الأسعار ومنع الغش والاستغلال والاحتكار؟ وهل ما حظي به القطاع الانتاجي من دعم وتسهيلات أسهم في تخفيض الأسعار وخفف من معاناة المواطن اليومية؟
فالحديث عن الإنجازات، وبلغة الأرقام، يجب أن يقترن بنتائج ايجابية وملموسة على أرض الواقع، وهو ما لم يتحقق، ولن يتحقق، بل على العكس زادت الأوضاع المعيشية سوءاً بالنظر إلى ما تشهده الأسواق من فوضى ومن ارتفاع حاد يومي ولحظي، وهو ما يضع الحديث مراراً وتكراراً “عن لغة الأرقام” ضمن خانة التسويق المجاني و التطبيل والتزمير لإنجازات وهمية وزائفة، فهل الإنجاز – برأي هذا المسؤول أو ذاك – ينحصر فقط في تشكيل الفرق والقيام بجولات تفقدية وميدانية، وهو أصلاً عمل روتيني وواجب وظيفي؟ وهل الإنجاز في ما تم جنيه من غرامات مالية، فيما يدفع المواطن الغرامة و الضريبة في نهاية المطاف؟
ما نود قوله وتأكيده أن الابتعاد عن الحقيقة أكثر ضرراً من مواجهتها، وبالتالي: لا بد من أن يتحلى الجميع، وفي مقدمتهم المسؤول المباشر، بالجرأة والشجاعة الكافية لمواجهة التحديات برؤى وأفكار وخطط وبرامج واقعية، تكون أرقامها مطابقة لمفاعيلها ونتائجها على أرض الواقع.