“أربعائيات بحكم المنطق … ولاشيء غير المنطق” .. أمريكا والصراع بين البر والبحر
مهدي دخل الله
ينشغل الرأي العام الأمريكي اليوم بمعركة الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أن أسفرت نتائج الانتخابات التمهيدية (الحزبية) عن فوز “الضعيفين” بايدن وترامب في “الثلاثاء الكبير” . لكن الاهتمام الحقيقي للاستابلشمنت ولمراكز الفكر (Think Tanks) منصب على المعركة الإستراتيجية الكبرى في العالم بين البر والبحر.
الخطة الصينية التي تحمل اسم الحزام والطريق أعلنت بداية هذه المعركة الإستراتيجية ضد أمريكا وبريطانيا أهم قوتين بحريتين في العالم. تعمل الصين اليوم على إعادة سيطرة ” العالم القديم” على الحياة الدولية بعد أن سيطر “العالم الجديد” على هذه الحياة منذ اكتشاف أمريكا قبل خمسة قرون ونيّف.
العامل الأساسي في التواصل بين أجزاء العالم القديم كان البر، فأنت تستطيع أن تسافر من شنغهاي شرقاً إلى باريس غرباً دون أن تبتل قدماك بالماء. والأمر نفسه باتجاه أفريقيا عبر الرافدين والشام ومصر (قبل فتح قناة السويس كانت الشام متصلة مع مصر براً).
أما العامل الأساسي في تواصل العالم الجديد مع بقية أرجاء العالم للسيطرة عليه فهو البحر . بل إن العالم الجديد هو عبارة عن جزر كبيرة تقع في محيطات واسعة كالأمريكتييْن وأوستراليا ونيوزيلندا . وعلى الرغم من أن بريطانيا تقع في طرف العالم القديم إلا أنها جزيرة أيضاً وكانت قوتها تعتمد على البحر شرقاً باتجاه الهند وأستراليا عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا ، وغرباً باتجاه أمريكا ..
اليوم يعمل الإستراتيجيون في إدارة بايدن على اللحاق بالبر المنتصر كي لا تصبح بلادهم جزيرة منعزلة عن العالم بعد استغناء قسم كبير من التجارة العالمية عن البحر عندما يتم افتتاح مشروع الحزام والطريق.
اتصلت الإدارة الأمريكية بنيودلهي في محاولة لاستغلال الصراع التقليدي بين العملاقين الأسيوييْن الصين والهند وطرحت مشروعاً منافساً للحزام والطريق يصل الهند بالإمارات فالسعودية فالأردن فـ “إسرائيل”، ( خط حديد الهند – حيفا ) ، ومن حيفا تحمل البضائع على البواخر إلى أوروبا القريبة عبر المتوسط . هذا المشروع يزيد في أهمية الكيان الإسرائيلي بالنسبة لأمريكا لأنه سيكون رافع لوائها وهي البعيدة جغرافياً.
لكن “إسرائيل” تواجه أزمة بنيوية على الرغم من أن خط الهند حيفا سيعزز أهميتها الجيواستراتيجية.. هذا المشروع يتطلب تعاوناً استراتيجياً بين دول الخليج والكيان . وهذا الأمر يفرض قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، وهو ما يشدد عليه الغرب اليوم بما فيه واشنطن ..
ومن الواضح أن المشروعيْن، الصيني والأمريكي، سيعززان دور البر (الخطوط الحديدية الحديثة) ما يعني إضعاف أهمية المداخل البحرية الإستراتيجية كـ باب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق ورأس الرجاء الصالح .. إنه العالم الجديد جداً الذي سيرث العَالمين القديم والجديد.
mahdidakhlala@gmail.com