تقليص أوقات العمل.. خيار لمرونة الإدارة وزيادة الإنتاجية وتأمين فرص عمل جديدة
دمشق – ليندا تلي
لا توجد وظيفة تستحق المخاطرة بالإصابة بسكتة دماغية أو أمراض القلب، وهناك تدابير لحماية صحّة الموظفين، من بينها اعتماد سياسات عامّة تحدّد الحدود القصوى لوقت العمل، أو توزيع ساعات العمل بين الموظفين بحيث لا يتجاوز أسبوع العمل 55 ساعة لما من شأنه أن يضرّ بالصحة ويزيد من مخاطر الوفاة، فـ”العمل صحة” وفق الأجداد والأسلاف طالما أنّك لا تبالغ في ذلك.
اعتبارات متعددة
تقليص وقت العمل يمكن أن يتصف بالموضوعية لأنه سيطابق الواقع الفعلي للعمل في القطاع العام وحتى في بعض القطاع الخاص، لكن هذا لا يعني التعميم، وفق ما ذكر الباحث الاقتصادي محمد كوسا، مشيراً إلى تواجد حالات تتعارض مع الواقع العام السائد نتيجة لاعتبارات متعدّدة وخيارات أصحاب العمل ورأس المال أو اعتبارات الإنتاج والظروف الفنية والتقنية وغيرها.
وعبر كوسا في حديث لـ “البعث” عن قناعته أن إعادة توزيع أوقات العمل بين الحين والآخر ضمن القطاعات الاقتصادية يعتبر ضرورياً لما لذلك من آثار على الإنتاجية والإنتاج واستغلال الموارد، كما يعدّ تقليص أوقات العمل ضمن خيارات مرونة الإدارة أو الحكومة في قيادة الاقتصاد والمجتمع، لأن هكذا إجراء إذا اتخذ في مواقعه ومواقيته الصحيحين سيؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحسين العلاقات الاجتماعية والإنسانية نحو الأفضل، إضافة لخلق فرص عمل تضامنية تساهم في امتصاص طلبات العمل أو تأمين حاجات الساعين للعمل مستذكراً مثال “تحديد ساعات العمل بست ساعات هذا يخلق حاجة للتوظيف فيما إذا كان العمل يتطلب وقتاً أطول للإنجاز أو على الأقل يعيد توزيع العمالة بشكل أفضل”.
تأقلم والتفاف
في القطاع الحكومي الخدمي والإداري لا تتجاوز ساعات العمل الفعلية الست ساعات في أحسن الأحوال، وفق الباحث كوسا الذي لفت إلى أن أغلب العاملين يبدؤون بالاستعداد لاستقبال المراجعين بعد الساعة التاسعة وينهون أعمالهم قبل الساعة الثانية ظهراً، مع العلم أنهم يحضرون إلى مقرات العمل منذ الثامنة ويبقون فيه حتى الثالثة ظهراً، وهذا يعني أن العاملين عملياً قد تأقلموا على القيام بأعمالهم خلال ست ساعات بالالتفاف على الوضع القانوني الذي يلزمهم بسبع ساعات ونصف على الأقل.
لذلك، وتحريراً من القيود القانونية للعاملين، وبدلاً من الالتفاف عليها، من الأفضل تحديد ساعات العمل من الثامنة صباحاً حتى الثانية ظهراً، فهذا سيتيح وقتاً أطول للكثيرين للاستفادة من الوقت الإضافي المتحصّل لديهم، حيث إن الكثيرين بعد تقليص ساعات العمل سيتاح لهم عملياً إنجاز أعمال أخرى خلال ساعات النهار المتبقية تعود عليهم بفوائد وعوائد اقتصادية مختلفة ومهمّة خاصة في الظروف المشابهة للظروف الحالية.
ولفت الباحث إلى أنه لو قمنا باستبيان أو استفتاء نجد أن الأغلبية ستشجّع تقليص ساعات العمل، الكل يفضل الراحة أو الاحتفاظ بالوقت المتحصّل لإنجاز أعمال أخرى، مضيفاً أن العمل لمدة ثماني ساعات وأكثر يعني أن الأفراد يمضون ثلث اليوم في العمل، مع إضافة ساعات التنقّل سيصل إلى عشر ساعات أي ما يقارب نصف اليوم إذا أضيف إليهم أيضاً وقت الجاهزية أو الاستعداد للذهاب للعمل والعودة منه، وهذا يعني أن نهاره كلّه يقضيه في العمل وهذه طريقة تتعبه نفسياً وجسدياً وتعرّض الاقتصاد للخسائر بسبب ضعف الإنتاجية التي يتسبّب بها الإرهاق لدى العاملين لوقت طويل.
وقد أظهرت أغلب الدراسات – والكلام للباحث كوسا – أن إنتاجية العامل تتناسب عكساً مع ازدياد وقت العمل وطرداً مع تقليصه، لذلك نجد أن البلدان المتقدمة التي تنّبّهت لهذا الأمر قامت بتقليص أوقات العمل لديها واستفادت من رفع إنتاجية العاملين وحققت لهم مستوى معيشة وحياة أفضل في ظل منحهم أوقاتاً إضافية للراحة والمعيشة برفاهية استخدام الوقت لصالحهم.
وعلى مستوى البلاد، يؤكد الباحث أنه في الظروف والمعطيات والموارد المتاحة والأوضاع الاقتصادية السائدة والتي يمكن أن تطول نسبياً، فإنّ تقليص مدة العمل مسألة مهمة يمكن إدارتها بشكل فعّال لتقسيم نمط الإنتاج ونمط الحياة الاجتماعية خاصة لجهة تحسين إنتاجية الأعمال أو لجهة تأمين فرص عمل جديدة لطالبي العمل، وحتى لا يتمّ استغلال القطاع الخاص للعاملين بالتعاقد وفق أيّ من الصيغ المتاحة، وخاصة حالات اضطرار العامل للعمل لأن هذا القطاع يعتمد على تخفيض تكاليفه بتخفيض الرواتب والأجور كعامل تكاليف مرن لديه، فمن المفيد وفق الباحث أن يتمّ تقليص ساعات العمل عند القطاعين العام والخاص ليتمّ توزيع العمل تكافلياً، وعندما يتمّ تقليص العمل إلى ست ساعات يومياً عند القطاع الخاص فهذا يعني أن تتغير معدلات الإنتاجية لديه صعوداً عندها سيفكّر جيداً باستخدام عمالة أكثر في مجالات استثمارية وإنتاجية أكثر، أي توسيع قاعدة الإنتاج لديه وهبوطاً بالنسبة للقطاع العام هناك دوماً رؤية مختلفة للمسألة، فالقطاع العام هو القطاع الذي أنيط به تقديم التسهيلات للأداء الاقتصادي والاجتماعي في الدولة، وبالتالي فإن أي زيادة في أعداد العاملين في هذا القطاع تعتبر مسألة جيدة عن طريق تحسين الخدمة العامة ورفع إنتاجية مؤسسات القطاع العام وهيئاته إذا تمّ توزيع العمال والعمل جيداً، ومن جهة ثانية فالتوظيف سيؤدي إلى امتصاص حالة البطالة في صفوف طالبي العمل، أي أنه يتابع دوره الاجتماعي في هذا المضمار.