في يوم مناهضته.. “إسرائيل” تمارس التمييز العنصري ضدّ الفلسطينيين
د.معن منيف سليمان
يحتفل العالم باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصريّ في الحادي والعشرين من شهر آذار من كل عام، في اليوم الذي أطلقت فيه الشرطة في “شاربفيل” بجنوبي إفريقيا النار وقتلت 69 شخصاً كانوا مشاركين في مظاهرة سلميّة ضدّ “قوانين المرور” المفروضة من نظام الفصل العنصري في عام 1960.
لقد خلّد اليوم العالمي لمناهضة العنصريّة والتمييز العنصري الذين سقطوا في مدينة “شاربفيل” برصاص شرطة النظام العنصري البائد في جنوبي إفريقيا، في حين تتجاهل الأمم المتحدة إحياء ذكرى مئات بل آلاف الشهداء من الفلسطينيين والعرب الذين سقطوا نتيجة المجازر الصهيونيّة والممارسات العنصريّة.
ففي سبعينيات القرن الماضي اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة برنامج الأنشطة التي يتعيّن العمل بها لمكافحة العنصريّة والتمييز العنصري، ومنذ ذلك الحين تمّ تفكيك نظام الفصل العنصري في جنوبي إفريقيا، وإلغاء القوانين والممارسات العنصريّة في العديد من البلدان.
وعلى الرّغم من مرور ستة وسبعين عاماً على توقيع الاتفاقية الدوليّة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ما زال يعاني الكثير من الأفراد والمجتمعات في جميع أنحاء العالم من الظلم والوصم الذي تجلبه العنصريّة.
وتعدّ الطريقة التي تمارس بها “إسرائيل” سيطرتها على الشعب الفلسطيني مثالاً حيّاً وصارخاً للتمييز العنصري، إذ يستند التمييز العنصري على إقامة نظام التمييز المؤسّسي والحفاظ عليه، بحيث تسيطر مجموعة واحدة على المجموعات الأخرى، وهذا ما تنفّذه “إسرائيل” منذ أن احتلّت فلسطين في عام 1948.
لقد تأسّس نظام الفصل العنصري الصهيوني في فلسطين بهدف السيطرة على الأرض وتهجير الشعب قسراً، ولدى احتلال كل فلسطين على يد القوات الإسرائيلية عام 1967، رزح الشعب الفلسطيني تحت نظام الفصل العنصري الصهيوني.
ويعدّ التهجير القسري للسكان الأصليين، بوصفه ممارسة أو سياسة تهدف إلى تهجير الأشخاص إلى منطقة ما أو خارج منطقة ما، شكلاً من أشكال الفصل العنصري الذي تمارسه “إسرائيل” ضدّ الشعب الفلسطيني، وذلك أنّ تحقيق إقامة ما تسمّى “دولة قومية للشعب اليهودي” على أرض تحوي أقليّة يهوديّة لا يمكن أن يكون إلا عبر التهجير القسري للسكان الأصليين وتوطين المستعمرين اليهود القادمين من شتّى بقاع الأرض مكانهم. وغالباً ما يتمّ التهجير من خلال طرد أعداد كبيرة من الفلسطينيين أو إجراء انتقال سكاني تدريجي بشكل يؤثّر في التركيبة السكانيّة الفلسطينيّة.
وتطبّق السلطات الإسرائيليّة تدابير متعدّدة لحرمان الشعب الفلسطيني عمداً من حقوقه وحريته الأساسيّة، بما في ذلك قيود قاسية على حرية التنقّل في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، والاستثمار الضئيل المزمن القائم على التمييز في المجتمعات الفلسطينيّة التي تسيطر عليها سلطة الاحتلال الإسرائيلي، وحرمان اللاجئين من حقّ العودة، كما أن الاعتقال الإداري، والتعذيب، وأعمال القتل غير المشروعة في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، تعدّ أمثلة واضحة على ممارسة الكيان التمييز العنصري ضدّ الشعب الفلسطيني.
ويعدّ القتل غير المشروع للمتظاهرين الفلسطينيين أوضح تعبير عن كيفية استخدام السلطات الإسرائيليّة أفعالاً محظورة للحفاظ على الوضع الراهن. وفي ضوء أعمال القتل غير المشروعة والممنهجة ضدّ الفلسطينيين تدعو منظّمة العفو الدوليّة مجلس الأمن الدولي إلى فرض حظر شامل على توريد السلاح إلى الكيان، وفرض عقوبات تستهدف مسؤولين إسرائيليين محدّدين هم الأكثر ضلوعاً في ارتكاب جريمة الفصل العنصري.
وعملت السلطات الإسرائيليّة طوال عقود خلت على تخصيص الموارد بشكل عنصري لمنفعة اليهود فقط، ما ضاعف جوانب عدم المساواة، حيث يعاني الفلسطينيون من قلّة الفرص المتاحة لكسب الرزق والاشتراك في أعمال تجاريّة بالمقارنة مع الفرص المتاحة لليهود الإسرائيليين، كما يعانون من قيود عنصريّة في الوصول إلى الأراضي الزراعيّة واستثمارها، والحصول على المياه والغاز والنفط وغيرها من الموارد الطبيعيّة، بالإضافة إلى قيود على توفّر خدمات الصّحة والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسيّة.
بالإضافة إلى ذلك تفرض سلطات الاحتلال مجموعة من القوانين والسياسات على تمثيل الفلسطينيين من حملة الجنسيّة الإسرائيليّة في عمليّة صنع القرار في الكنيست أساساً وتقوّضه. وتصاحب القيود على حقّ الفلسطينيين من حملة الجنسيّة الإسرائيليّة في المشاركة في الانتخابات تعدّياتٌ أخرى على حقوقهم المدنيّة والسياسيّة تحدّ من المدى الذي يمكنهم فيه المشاركة في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة في “إسرائيل”.
وقد أكّدت منظّمة العفو الدوليّة أنّ هذه الأفعال تشكّل جزءاً من هجوم ممنهج وواسع النطاق موجه ضدّ الشعب الفلسطيني، وترتكب ذلك بهدف استمرار نظام القمع والسيطرة، لذا فهي تشكّل جريمة الفصل العنصري ضدّ الإنسانية.
وكانت الهيئة العامة للأمم المتحدة قد أعلنت عبر القرار رقم /3379/ للعاشر من تشرين الثاني لعام 1975، أنّ الصهيونية شكل من أشكال العنصرية. وكانت منظّمة “هيومن رايتس ووتش” أوّل منظّمة غير حكوميّة ناشطة في الدفاع عن حقوق الإنسان تستخدم كلمة “الفصل العنصري” لوصف سياسة “إسرائيل” حيال الفلسطينيين لتنضمّ بذلك إلى منظّمات غير حكوميّة فلسطينيّة وإسرائيليّة.
إنّ الممارسات الإسرائيليّة المستمرّة والممنهجة التي تستهدف الشعب الفلسطيني بشكل عنصري يجب أن يُوضع لها حدّ من المجتمع الدولي، كما حصل مع نظام الفصل العنصري في جنوبي إفريقيا، وضرورة محاكمة المنظومة الإسرائيلية، وعدم الإفلات من العقاب لأنّ الصمت، إن لم يكن بتواطؤ دولي، في مواجهة الانتهاكات الأساسيّة للحقوق الفلسطينية يشجّع على المزيد من السياسة والممارسة العنصريّة على حساب القانون.