قلق وجودي في الغرب والكيان معا
طلال ياسر الزعبي
ربما تكون هذه هي المرة الاولى التي يشعر فيها الكيان الصهيوني بأزمة وجودية حقيقية، فحتى حكومة الحرب المصغرة المكونة من أشد الإرهابيين الصهيونيين تطرفا باتت منقسمة على نفسها، حيث يذهب جزء منها باتجاه الاستمرار في الحرب قافزا فوق جميع الخسائر التي لا يزال يعتم عليها، في سبيل المحافظة على امتيازات السلطة والهروب من المحاسبة، ويقود هؤلاء الإرهابي بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة، وجزء ربما أدرك مؤخرا حتمية الهزيمة في المعركة، ويسعى إلى تحميل تبعاتها لرئيس الحكومة للهروب من المحاسبة، وهؤلاء جميعا مطمئنون إلى ان ذلك يمكن أن ينجيهم من الزلزال الداخلي الذي سيهز الكيان فور انتهاء المعارك.
وفي مطلق الأحوال، يبدو ان المعركة الحالية عززت الصراع والانقسامات الحادة التي كانت موجودة سابقا بدل أن تقوم بتهدئتها، حسب ظن بعض “صقور الحكومة”، وعلى رأسهم نتنياهو، فالشارع ينتظر بفارغ الصبر لحظة المحاسبة، والحالة المادية والمجتمعية تصنف على أنها الأكثر سوءا في تاريخ الكيان الذي لم يعد يستطيع التغطية على مؤشرات الزوال التي تلاحقه، ومنها الهجرة العكسية التي تجاوزت حالات الهجرة الأولى، وانعدام الأمن والوضع الاقتصادي السيئ الذي يدعمه العجز الامريكي الغربي عن الاستمرار في دعم الكيان إلى ما لا نهاية، وخاصة مع استمرار استنزاف الغرب الجماعي على الجبهة الروسية، فضلا عن الوضع الجديد الناشئ عن تحكم المقاومة في اليمن بأهم الممرات الاقتصادية البحرية بالنسبة إلى الغرب، والضغط الهائل الذي يشكله ذلك على اقتصاداتها، إذ كيف يمكن الاستمرار بالدعم والاقتصاد الغربي يتدهور، والمعركة بدأت تأخذ ابعادا جديدة أهمها أنها أصبحت تنحو باتجاه العالمية مع دخول أسلحة استراتيجية إلى المعركة، ربما كانت رد فعل على دخول مثيلتها من الغرب إلى أوكرانيا؛ وكل ذلك يترافق مع عجز صهيوني واضح.
وعليه، فإن القلق الوجودي الذي يعانيه الكيان تابع بداية للظرف الداخلي الذي يعيشه، وهو حالة عدم اليقين من القدرة على الاستمرار في ظل تمكن المقاومة من نسف جميع المقومات التي بناها الكيان منذ تأسيسه للاستمرار في استقطاب اليهود من شتى دول العالم، حيث تحولت الهجرة إلى عكسية، بينما يظهر الانسداد واضحا لدى الغرب الجماعي الذي يشكل الحاضن الخارجي للكيان مع تلاحق الأزمات التي يعانيها، وشعوره بضرورة الانكفاء لمعالجة هذه الأزمات قبل أن تؤدي إلى هزيمته المدوية امام روسيا والصين.
ومن هنا، فإن السعي للتفاوض مع المقاومة في غزة لم يأت من واقع قوة، بل هو أكبر مؤشر على الضعف، حتى لو حاول نتنياهو وشركاؤه الإقليميون والدوليون الإيحاء بذلك، وقد اختاروا أن يستفردوا – حسب ظنهم – بالمقاومة في غزة، ولكنهم يدركون جيدا أن النصر المتحقق هو نصر نهائي لا يمكن الالتفاف عليه، ولا إجهاضه، ونتائج هذا النصر الاستراتيجي ستشكل زلزالا على مستوى العالم وليس على مستوى الكيان وداعميه فقط، لأنها بالفعل سوف تكون مؤشرا واضحا على بزوغ النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب.