فيتو مزدوج للمقاومة والعدالة
علي اليوسف
عندما استخدمت روسيا والصين الفيتو المزدوج في مجلس الأمن ضد مشروع قرار مسيّس لاتهام الدولة السورية وتحميلها مسؤولية ما ارتكبه أصحاب المشروع التدميري وأدواتهم، ذهب الكثير بعيداً في التحليل والاستطراد بأن موسكو والصين تبحثان عن مصالحهما الخاصة في الشرق، ولا يعنيهما كل ذلك الدمار والدماء، لكن من ذهب بعيداً عليه اليوم أن يعيد حساباته ويقترب أكثر من الحقيقة بأن الفيتو المزدوج ليس علامة حصرية لـسورية وحدها، بل هي علامة لكل مستضعف في الأرض.
كان مشروع القرار الأمريكي لا يتضمّن مطالبة صريحة بالوقف الفوري للعدوان الصهيوني على غزة، بل كان يحمل صياغة تضليلية ومتواطئة مع أهداف الكيان الإسرائيلي تمكنه من الاستمرار في عدوانه، وتُعطيه الغطاء والشرعية لحرب الإبادة التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني صادر عن مجلس الأمن الدولي لمواصلة الحرب دون مساءلة قانونية.
وعليه، فإن الفيتو الروسي الصيني المزدوج جاء انتصاراً للقضية العادلة للشعب الفلسطيني، بل انتصاراً للعدالة الدولية ولأحرار العالم، لأنه لولا هذا الفيتو لاستطاعت الولايات المتحدة تمكين “إسرائيل” من الإفلات من العقاب، ولو اعتُمد القرار فإنه سيغلق النقاش بشأن وضع غزة، وسيطلق يد “إسرائيل” في القتل، ويمنحها الضوء الأخضر لتنفيذ عملية عسكرية في رفح.
صحيح أن للفيتو المزدوج وقع خاص في الأروقة الدولية، إلا أنه هذه المرة يحمل رسائل قوية أهمها أن القضية الفلسطينية باتت من اهتمامات روسيا والصين إلى جانب العديد من القضايا الدولية الأخرى، كما أن الفيتو الروسي الصيني يؤشر إلى زيادة ملحوظة في التضامن، خاصة في مواجهة السياسة الغربية، والرغبة في الحد من تأثير التفرد الأميركي بقيادة العالم. فتطور العلاقة بين الصين وروسيا،على شكل النظام الدولي الحالي، وعلى دور الولايات المتحدة بالتحديد في قضايا الأمن العالمي، يدفع للحديث عن تحولات جذرية يقودها التحالف بين الصيني الروسي في بنية النظام الدولي، والذي أصبح كابوساً أمريكياً حقيقياً وضعته الإدارات الأمريكية المتعاقبة بنفسها. فالولايات المتحدة لم تستفد عندما كانت العلاقات بينها وبين الاتحاد السوفييتي والصين أفضل كثيراً بشكل منفصل، عما كانت عليه بين موسكو وبكين وقتها، وحتى اليوم تتخذ الولايات المتحدة خطوات تقّرب أكثر بين موسكو وبكين، لكن كيفية الرد على مثل هذا التقارب الآن أصبح بالنسبة لواشنطن السؤال الأصعب على الاطلاق.
عندما غذت الولايات المتحدة الصراعات المحلية والإقليمية، والتي خرجت عن السيطرة الأمريكية، بدأ الحلفاء في إثارة الشكوك حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستفي بالتزاماتها الأمنية تجاههم، لكن التجاهل الأمريكي وسيناريوهات التخريب التي وضعها رواد الدولة العميقة، فتح الباب أمام الصين وروسيا لكسب موطئ قدم في جميع أنحاء العالم، مقابل تآكل التفوق الأمريكي بشكل تدريجي، حتى باتت السياسات الخارجية للولايات المتحدة غامضة، وترك مساحة كبيرة للصدفة في إدارة البلاد، وترك انطباعاً عن سفينة بلا قبطان. وهكذا، لا يزال الباب مفتوحاً لإعادة توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لكن من سيعيد توجيهها؟!