جامعاتنا .. والخريج العاطل عن العمل!!
غسان فطوم
على مدار العقود الماضية، اتخمت سوق العمل في سورية بمئات آلاف الخريجين الجامعيين بمختلف التخصصات العلمية، عدا عن خريجي المعاهد التقانية، لدرجة أنه أصبح لدينا “تضخم أكاديمي”، وهذا بلا شك مشكلة تضعنا أمام تحديات كبيرة، بدأت معالمها تضح مع بداية الألفية الحالية، حيث تغيرت خلال العقدين الماضيين حاجات ومتطلبات سوق العمل الذي لم يعد ينسجم مع مخرجات تعليمية لا زالت تعتمد على الحفظ والتلقين، وبالنتيجة أصبح لدينا خلل واضح يتجلى في عدم التوازن في توزيع الخريجين بين التخصصات العلمية والأدبية.
تفاقم المشكلة
العديد من أساتذة الجامعة يرون أن السبب وراء تفاقم هذا الخلل هو فشل وزارتي “التعليم العالي” و”التربية” في إيجاد طريقة مناسبة لمعرفة رغبات وميول الطلبة وفق أساليب علمية حديثة، مشيرين إلى أن سياسات القبول والانتساب الجامعي ما زالت غير عادلة، وكذلك غير متوازنة، فهي باعتمادها على العلامة كشرط أساسي للدخول للجامعة تشكل عائقاً أمام تحقيق الطلاب لرغباتهم الحقيقية، إضافة إلى ذلك أنه في فترة من الفترات، وتحديداً في ثمانينيات القرن الماضي، كان الطالب يجبر على اختيار الفرع العلمي أو الأدبي بعيداً عن ميوله الحقيقية، وفقط من أجل إكمال نصاب الشعبة الصفية بعدد مناسب من كل فرع، ما أدى إلى إخفاق الكثير من الطلبة في تحقيق معدلات جيدة في الثانوية العامة، وبالنتيجة أجبر أغلبهم على دراسة تخصصات جامعية لا يريدها، سواءً في كليات العلوم الإنسانية أو في الكليات العلمية الطبية والهندسية وغيرها؛ رغم أن وزارة التربية عملت في السنوات الأخيرة على تصحيح هذا الخلل، وكانت مرنة إلى حد كبير، حيث أتاحت للطالب فرصة تغيير فرعه الأدبي أو العلمي إن أراد في الفصل الأول، أي قبل خوض امتحان الثانوية بأشهر قليلة يمكن له أن يغيّر فرعه من الأدبي إلى العلمي أو العكس.
غياب التوجيه
ما سبق يقودنا إلى الإشارة إلى خلل يعيق الطالب في اختيار التخصص المناسب نأمل تجاوزه، وهو ما يتعلق بغياب التوجيه والإرشاد، حيث يفتقر الطلبة إلى من يعرفهم ويضعهم في أجواء الحاجات والمتطلبات المتاحة التي يريدها السوق حالياً ومستقبلاً، وهذا ما يفسر لنا وجود أعداد كبيرة جداً من الخريجين العاطلين عن العمل لأنهم لم يجدوا من يوجههم بشكل صحيح، فلو وجدوا هذا التوجيه لما كانوا استكملوا دراستهم في تخصصات غير مرغوبة أو غير مجدية في السوق ليس فقط سوق العمل المحلية، بل العالمية، فالإحصائيات بهذا الخصوص تشير بوضوح إلى أن نسبة كبيرة من خريجي جامعاتنا يجدون صعوبة في الحصول على فرص عمل باختصاصهم خارج البلد، ما يضطرهم للعمل في مجالات أخرى وترك شهاداتهم الجامعية على الرف!
ويرى البعض أن ظروف عمل أعضاء الهيئة التدريسية ساهمت هي الأخرى في سوء المخرجات الجامعية، حيث يشكوا أساتذة الجامعة من قلة الدعم المادي والمعنوي أيضاً، وهذا ما يجعلهم يبتعدون عن انجاز البحوث العلمية التطبيقية، وحتى على الانتظام في تدريس المقررات والاتصال المباشر مع الطلبة.
من جانب آخر، هناك تقصير من قبل العديد من الأساتذة لجهة الاستفادة من الفرص التي تتيحها التطورات التكنولوجية المعلوماتية بالرغم من الاستخدام المكثف لها عالمياً.
تعزيز الجودة
إن كل ما نأمله من المعنيين في شؤون المنظومة التعليمية في وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية والخاصة العمل تعزيز جودة التعليم العالي وتطوير صيغ تربوية جديدة، من خلال توفير بيئة تعليمية داعمة للإبداع وتطوير المهارات من أجل فتح الباب أمام الطلبة والخريجين للاكتشاف والابتكار، فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى تجويد تعليمنا العالي والتربوي أيضاً، لنؤسس لعقل جديد ينسجم مع عالم يتجدد كل يوم.
بالمختصر، ربما لا نبالغ في القول أننا فيما يتعلق بالتخطيط التعليمي ما زلنا نفتقد للتطور الفكري المتكامل والعقل الإداري المبدع الذي يجنبنا الكثير من المطبات والتأخر في المجال العلمي على مستوى التدريس والمخرجات، لذا آن الأوان لنتخذ القرارات المتعلقة في إيقاف القبول أو تعليقه في التخصصات الراكدة والمشبعة والتركيز على إحداث كليات وتخصصات مرتبطة بمهن المستقبل.