اعترافات تنقصها الأفعال..!
علي عبود
لا تحتاج المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر إلى أدلة وبراهين بأنها قوة تنموية هائلة في معظم اقتصادات دول العالم، ومع ذلك فإن الحكومات المتعاقبة لم تعترف بأهميتها إلا مؤخراً. ولم يملّ أهل الخبرة في سورية منذ عام 2013، وتحديداً بعد قيام الغرب بفرض حصار اقتصادي غير مسبوق على بلادنا، من مناشدة الجهات الحكومية لمنح الاهتمام والدعم والأولوية للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، وكان الردّ الدائم “التطنيش”، لأن أولويات كلّ الحكومات كانت مركزة على جذب كبار رجال المال، الذين ثبت منذ تسعينات القرن الماضي أنهم غير مكترثين للاستثمار في سورية!.
ومع أن الإحصائيات تؤكد أن المشاريع الصغيرة تُشكل أكثر من 70% من الاقتصاد السوري، فإنها لا تزال مهملة في جدول أولويات الحكومة، وبالكاد تأتي على ذكرها في بياناتها الوزارية أمام مجلس الشعب.
وفي سياق هذا الإهمال المزمن، نرى أن من المهمّ جداً هذا التغيير في نظرة الحكومة إلى المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، الذي لمسناه في الأسابيع الأخيرة، ونأمل أن يتمّ ترجمة الأقوال الحكومية بأهميتها إلى أفعال على شكل رصد اعتمادات وخطط وبرامج تنفيذية، بل نجزم بأن لا ترجمة لبرنامج تصنيع وإنتاج بدائل المستوردات إلا من خلال دعم قطاع المشاريع الصغير.
ولفتنا مؤخراً ما أدلى به وزير الصناعة عبد القادر جوخدار حول المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وخاصة تأكيده بأنها “تمتاز بالأهمية والكفاءة في معالجة مختلف المتغيرات التي تواجه الاقتصاد”، فهل هذا يعني أن الحكومة ستترجم أقوالها إلى أفعال، أم سيبقى الأمر تصريحات إعلامية فقط؟
وإذا كانت الحكومة تعترف “الآن” بأن المشروعات الصغرى هي “المحرك الرئيسي للاقتصاد، وتُصنّف واحدة من أهم آليات التوجّه الإستراتيجي لدعم الهيكل الإنتاجي”، فلماذا لم تعلن على مدى السنوات الماضية عن برامج لدعمها تلحظها في موازناتها المالية؟.
أما الاعتراف الأكثر أهمية للحكومة، وتحديداً على لسان وزير الصناعة، فهو “أن أي دولة تحتاج إلى المشروعات الصغرى لتشارك في نمو اقتصادها عن طريق القطاع الصناعي، والزراعي، والسياحي، والخدمي.. الخ”، لكن المشكلة كانت، ولا تزال، بأن كل ما صدر عن الحكومة من تشريعات وقرارات وإجراءات كان يخدم الاستيراد لا قطاعات الصناعة والإنتاج، وبالتالي نسأل: هل ستبدأ الحكومة خلال الأشهر القليلة القادمة بإصدار حزمة من التشريعات والآليات لإصلاح الهيكل التنظيمي والإداري الذي لا يشجع حالياً على زيادة اعتماد الدولة على قطاع المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر؟
نعم، نتفق كلياً مع قول وزير الصناعة بأن “أهمية المشروعات الصغرى تظهر في أنها العصب الرئيسي لاقتصاد أي دولة، سواء أكانت متقدمة أم نامية”، لكننا ننتظر ترجمة الأقوال إلى أفعال، أيّ في الموازنة العامة للدولة، وفي الخطط السنوية للوزارات المعنية بتقديم الدعم الفعلي لقطاع المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر.
وعلى الرغم من أهمية مصادر التمويل للمشاريع المتناهية الصغر، فإن أصحابها لم ينتظروا دعماً حكومياً كي يؤسّسوا وينفذوا مشاريعهم بتمويل ذاتي، وحققوا نجاحات ملفتة تجسّدت في معرض منتجي حلب عام 2020، ومع ذلك لم تبادر الحكومة حتى الآن لا بتقديم تسهيلات مصرفية لهم، ولا بمساعدتهم بتسويق منتجاتهم في صالات “السورية للتجارة” التي يحتكر معروضاتها كبار التّجار والصناعيين!.
الخلاصة: لقد كرّرت الحكومة في اجتماعات التنظيم العمالي مراراً أنها لا تملك الموارد لتحسين القدرة الشرائية لملايين العاملين بأجر بما يتناسب وأسعار السلع والمواد والخدمات، لكنها ولا مرة أعلنت عن خطط لتقديم التسهيلات لمن أسّسوا مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر لزيادة دخل أسرهم، ولا ندري -بعد اهتمامها الإعلامي في الأسابيع الأخيرة- إن كانت ستقدّم مستقبلاً الدعم والتسهيلات لقطاع اعترفت متأخرة جداً أنه قاطرة النمو وعصب الاقتصاد السوري!!