ثقافةصحيفة البعث

رمضانيات تراثية جولانية

القنيطرة- محمد غالب حسين

في شهر رمضان الفضيل تنداح الذاكرة عقوداً خلت، إلى أيام الطفولة واليفاع في الجولان الحبيب، حيث النفحات الإيمانية، والتقاليد الاجتماعية، والعادات الحميدة موشّحة بألوان المحبة والتعاون والتعاضد والتضامن اجتماعياً واقتصادياً وإنسانياً. فمائدة الإفطار الرمضانية تجمع الأسرة الكبيرة التي كانت تمتد للجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة، ناهيك عن تحضيرات المائدة التي تكون عامرة متنوعة.

يجد الأطفال متعة بمتابعة تحضير طعام الإفطار، وتقحم الطفلات الصغيرات أنفسهن بمساعدة أمهاتهن وعماتهن بإعداد الطعام، طمعاً بفرح شديد بوجبة الإفطار التي ينتظرها الجميع. أما الأمر الاجتماعي اللافت جداً، والمهمّ جداً، فهو دعوات الإفطار التي يُدعى إليها رجال الحي والقرية، وتُسمّى “العشاء”، أي صنع طعام الإفطار على نيّة طلب الرحمة للأموات، حيث يكون المنسف الجولاني هو سيد المائدة، ويتوسطه رأس الذبيحة بينما لحمها يغطي الأرز المترع بالمنسف حيناً وبالبرغل أحياناً، وتنتقل دعوة العشاء من منزل لآخر بالقرية حتى نهاية شهر رمضان، ويكاد الإنسان من فيض الدعوات وكثرتها، لا يتناول طعام الإفطار في منزله خلال شهر رمضان، وتنال الأسر الفقيرة حصتها من الطعام الوفير الذي يُقدّم لها يومياً مزخرفاً بالمحبة والاحترام والتقدير والوئام.

وهناك أيضاً دعوات خاصة للأهل والأقارب والأرحام، وخاصة البنات المتزوجات في شهر رمضان الذي يتوشّح بالمحبة والمودة والروحانيات التي تسمو بالإنسان نحو أرقى درجات التآخي، كما يزور الأب والأخ البنت المتزوجة بمكان بعيد حاملاً لها الطعام الذي يكون على الأغلب كمية من البرغل أو الأرز، وعند الموسرين يزيد رأساً من الأغنام أو الماعز ناهيك عن قفة من التمر، وكان للتمر حضور خاص ومميز في رمضان، حيث يوزع على الأسر الفقيرة والأطفال اليتامى، ويبدأ الإفطار به حتماً. والقهوة العربية المرة بفوحها الزكي العابق هي الشراب الأسمى والأشهى لكل الدعوات والزيارات والاجتماعات واللقاءات.

وفي رمضان، يستذكر الجولانيون أحباءهم الموتى، فيزورون المدافن التي كانت بعيدة عن القرى، ويترحمون على موتاهم، ولا نعدم هناك أماً تنوح على ابنها الشاب أو فتاة ترثي والدها المتوفى حديثاً.

ويبقى الجولان هو الأحلى والأغلى والأبهى والأزهى والأسمى والأنقى، وهو البوح والفوح والحب والمحبة والنور والمنارة والأشواق التي لا تنتهي، وعند ذكره تفرح الشفاه وتتألق العيون وتندى القلوب، وتنتشر الطيوب وتتسامى النفوس، وتخضر الأرواح وتنتشي ضفائر الآقاح، ومن أردانه تتعطر أنفاس الصباح.