بعد أن كانت المقاهي متنفسهم الوحيد.. الوضع المعيشي يحرّض المتقاعدين وسوق العمل تستقطبهم
دمشق- ميس بركات
ينبئ المشهد العام بفقدان سوق العمل اليوم دعائمه من الفئة الشابة، في حين تمّ الاستعاضة عنها بشريحة كبيرة من المتقاعدين أو حتى المسنّين ممن تجاوز عمرهم السبعين، إذ لم يعد المشهد المعتاد للمتقاعدين في المقاهي أو الحدائق قبيل الحرب مرئياً اليوم، خاصّة وأن المعاش التقاعدي لم يعد يكفي ثمن الأدوية التي يحتاجها أكثر من 80% ممن هم في سن الستين فما فوق، الأمر الذي جعل العودة لسوق العمل في القطاعين العام والخاص حقيقة لا خياراً، إضافة إلى قيام الغالبية العظمى من المهن والورشات اليوم على هذه الشريحة التي رفضت التقاعد من المهنة، بل على العكس ما زالت مُصرّة على وضع خبراتها في خدمة العمل، ولاسيّما في ظل غياب الفئة الشابة لأسباب كثيرة، الأمر الذي أكده سابقاً مكتب الإحصاء المركزي بممارسة معظم المسنين أعمالاً شاقة كونها توفر دخلاً ممتازاً مقارنة بالأعمال الأخرى في ظل معاناة معيشية قاسية تجمع الموظف والمتقاعد في آن.
الخبير الاقتصادي محمد كوسا ميّز بين التقاعد المبكر والتقاعد المتأخر، فالمتقاعدون بسنّ الخمسين ما زالوا ضمن قوة العمل أي أنهم قادرون على تأدية وظائف عمل، ومن الواجب أن يشاركوا بموضوع الإنتاج بالرجوع لخبراتهم واستغلالها بإنتاج جديد معيّن، أما المتقاعدون في سنّ الستين فما فوق فنتيجة الظروف الحالية والقدرة الشرائية للدخل والتي لا تكفي ثمن أدوية لهم نجدهم يعودون إلى ساحات العمل، وأشار كوسا إلى أنه في ظل غياب قوة العمل الشابة والتي حتى لو توفرت ينقصها الخبرة وهذه الخبرة يتمّ تعويضها من المتقاعدين الذين يمتلكون خبرات من تاريخ عملهم السابق يتمّ في أكثر الأحيان استقطابهم في سوق العمل، إذ بات البحث عنهم غاية عند القطاع الخاص، كذلك الأمر من الممكن للقطاع الحكومي أن يتعاقد معهم للاستفادة من خبراتهم في حالة نقص الكوادر.
وأكد كوسا أن الاقتصاد في جميع دول العالم لا يقوم فقط على القوة الشابة فقط وخاصة في جوانب التمكن بأداء الأعمال ومسألة تغطية بعض الجوانب التي لا يمكن أن يغطيها الشباب، فاليابان مثلاً نهضت نتيجة خبرات المتقاعدين الكبار في السن، ولم ينكر الخبير الاقتصادي اعتماد قسم من الأهالي المتقاعدين على الحوالات الخارجية من أبنائهم، إلّا أن الشريحة العظمى ممن ليس لديهم مصدر دخل آخر يعودون للعمل نتيجة الظرف والحالة الاقتصادية التي يعيشونها والاحتياجات التي يريدون تأمينها لقاء أجر جديد يغطي الفرق بين المعاش والاحتياجات الحقيقية التي تتطلبها الحياة، وهذا يؤدي إلى تحسين معيشتهم كون معاشهم التقاعدي لا يغطي بضعة أيام.
ولم ينكر كوسا أن من حق المتقاعدين كأشخاص عاشوا بالعمل الإنتاجي لسنوات طويلة أن يخرجوا للتقاعد والعيش برفاهية، لكن مؤشرات الواقع تشي بالعكس، منوّهاً بأن عودة هذه الفئة مفيدة للاقتصاد حالياً في ظل نقص الكوادر واليد العاملة وشرائح العمالة، وبالتالي سير الاقتصاد ولو ببطء بمساعدة هؤلاء المتقاعدين.
وفيما يتعلّق بواجب الشؤون الاجتماعية والعمل تجاه هذه الشريحة، لفت كوسا إلى أن الطلب من الشؤون الاجتماعية بدعم معاشهم وتعادل المعاش مع احتياجاتهم أمر مستبعد اليوم لعدم وجود إمكانية نتيجة اعتبارات كثيرة تخصّ موضوع التضخم والنقد والحصار والإنتاج والسوق والعرض والطلب وغيرها من القضايا التي تحكم موضوع الأجور والمعاشات، إلاّ أنه من المهمّ أن تعمل الوزارة مع الجهات المعنية لتقديم رعاية خاصة وخدمات للمتقاعدين “صحية- اجتماعية- رعاية” خصوصاً لمن بلغ السبعين فما فوق وغير القادرين على دخول سوق العمل وخصّهم بحزمة من التفضيلات.