مسرح الطفل في سورية.. ما له وما عليه
جمان بركات
تساؤلات كثيرة تخطر في البال حول واقع مسرح الطفل في سورية والعقبات التي تصادفه، وهل ما يقدّم من أعمال هي ما يشكل مسرح الطفل، حيث يكون الطفل فيه مشاركاً في الإرسال والتلقي، أم أنه مسرح للطفل يقدمه الكبار للأطفال؟ وهل دُور العرض الموجودة مناسبة لمسرح الطفل، والسؤال الأهم: ما الدور الذي يلعبه مسرح الطفل في مواجهة ثورة التكنولوجيا وما تقدّمه الميديا من أساليب للفهم والتلقي واللعب والحوار التي قد تشغل عن أي نشاط آخر وتجعله بعزلة، وهذا يطرح تحديات جديدة على الأساليب المقترحة في العروض التي تقدّمها مديرية المسارح والموسيقا، إضافة لمهرجانات مسرح الطفل وما تقدمه من دعم لهذا المسرح وتطويره؟ ونتساءل أيضاً: لماذا لا يكون هناك ورشات كتابة مسرحية للأطفال يقوم بها الأطفال أنفسهم؟ وهل يتوافق ما يقدّم من عروض مسرحية يتناول مشكلات الطفل الحقيقية؟.
إذا ما تطرقنا لواقع مسرح الطفل في سورية سنجد أنفسنا أمام عدة ملاحظات سلبية وإيجابية، فإذا تمسّكنا بالسلبي سنجد الواقع غير مرضٍ، وإذا ما تعاطفنا مع الإيجابي سنجد الواقع جيداً يحتاج مزيداً من الجهد والعمل على مستوى الأفراد والمؤسسات، كما أننا سنجد أن أغلب العاملين في مسرح الطفل وجدوا أنفسهم مصادفة فناني مسرح طفل، مما أدى إلى تسجيل عدة أسئلة لتقييم واقع مسرح الطفل على مستوى المضمون من حيث الكتابة والإخراج والتمثيل، وملامستنا لهذا الواقع نابعة من رغبتنا بأن يكون لدينا مسرح طفل ذو جودة عالية يغني ثقافة أطفالنا.
وكما يقوم مسرح الكبار على جهود فردية يرى عدد من المعنيين والمهتمين بمسرح الطفل أنه مسرح قائم منذ تأسيسه على الجهود الفردية، ولابدّ من القول إنه أحياناً تكون المبادرة الفردية ليست في مصلحة مسرح الطفل شكلاً ومضموناً، فـ”النية وحدها لا تصنع مسرح طفل”، وفي هذا الإطار يحضرني رأي لأحد الشغوفين بالمسرح ومسرح الطفل بشكل خاص يشير فيه إلى غياب المشروع الثقافي الوطني للأطفال والذي يجب أن يضمّ كل النشاطات المرتبطة بالطفل في وطننا -وخاصة بعد حرب ظالمة عشناها لأكثر من عقد كان الطفل الضحية الأولى فيها- وهذا أدى إلى غياب الرؤية المستقبلية لمسرح الطفل لأن كل شيء مرتبط ببعضه البعض، ويتساءل: كيف سيكون هناك متخصصون إذا كانت بالأساس الرؤية مغيّبة، وإذا كان مستقبل هذا المسرح لا يشغل بال القائمين أصحاب القرار وليس مدراء المؤسسات الصغيرة، إذ إن توفر المتخصصين المتفرغين على مستوى الكتابة والإخراج والتمثيل يوفر طاقم عمل حقيقي يؤسّس لانطلاقة جيدة لهذا المسرح تكمله البنى التحتية والدعم المادي، ولا يمكن أن نضع مسرح الأطفال الفقير بإمكانياته المتواضعة والبنية التحتية المعدومة في مواجهة مع الثورة التكنولوجية التي نعيشها، ولكن يمكن تفعيل دور مسرح الطفل والثقافة بشكل عام لتحمل في طياتها مضامين وقيماً من شأنها أن ترتقي بالمجتمع وأن يلقى الضوء عليه، وربما يستطيع القائمون على مسرح الطفل أن يسحبوا الطفل باتجاههم إذا ما توفرت في المسرحية الموجهة للأطفال مضامين مناسبة ورؤية إخراجية محترمة وتمثيل راق ودعاية إعلانية مناسبة، وأيضاً يمكن أن يسخّروا ثورة التكنولوجيا لخدمة مسرح الطفل والثقافة والمجتمع، وعندها نستطيع أن نتلمس جوانب إيجابية للميديا والمعلومات.
رأي آخر يرى أن مسرح الكبار والثقافة بشكل عام في العالم الثالث لم تحظَ بالاهتمام الكافي، لأننا دائماً نعمل على أساس أن يكون عندنا ثقافة كم وليست نوعاً، ولا نهتمّ بنوعية الثقافة التي نقدمها، وأمام ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا بدّ أن نقف وقفة صادقة أمام أنفسنا كيف يمكن أن نجذب هذا الطفل أمام هذه الثورة المعلوماتية إلى حضور عرض مسرحي، ولا يخفى على أحد أن هذا الأمر يتطلّب جهداً كبيراً من المتخصصين في مسرح الطفل، وهذا الجهد لا يأتي من فراغ وإنما يحتاج إلى قضايا فنية ونصوص عالية المستوى وإلى مواكبة التطور الحضاري، إذن يجب أن نعمل لإيجاد مسرح متميز يسرق الأطفال ولو للحظات معينة من أمام شاشة النت والكمبيوتر، فالطفل بحاجة دائماً إلى الحكاية وإلى الصراع والنهاية مثل حكايات الأجداد “كان ياما كان في سالف العصر والأوان نحكي ولا نام”، مع أنها كانت غير مترابطة وغير متناسقة كان الطفل يجلس ويستمع لها بشغف، فما نحتاج له حقيقة هو مختصين حقيقيين دارسين لمسرح الطفل وعوالمه النفسية والداخلية وحياته الاجتماعية وثقافته، لأن الطفل بالنهاية يخضع إلى عدة مؤسسات ثقافية منها رسمية ومنها غير رسمية عندما يولد الطفل ضمن دائرة ضيقة الأم والأب ثم الحلقة الأكبر الأقارب وشيئاً فشيئاً الشارع والمدرسة فإنه ضمن هذه الدوائر يأخذ ثقافته المتنوعة والمختلفة، ومن خلالها نجد أن الطفل قد يكون غير جاهز لمواجهة الحياة التي يعيشها، وبهذه المرحلة يكون بحاجة إلى المسرح فهو نافذته لفهم العالم المحيط وهو من أهم الفنون الدرامية التي يستطيع الطفل التعبير من خلالها عما يجول في خاطره، فالمسرح هو أكبر معالج نفسي واجتماعي، وهو من أكثر الوسائل والمجالات الإبداعية سرعة وقدرة على التلاؤم ومواكبة تطور المجتمع والزمن على صعيد التاريخي والاجتماعي والتقني والميديا، وما أنتجته ثورة المعلومات في هذا المجال بالذات وجعلتنا نحن الراشدين نقف على أبوابها بحيرة وتردّد، وفي الوقت نفسه جذبت الطفل إليها بقوة من خلال ما تقدّمه من وسائل إبهار وجذب فاتنة، وكي لا يتحول الطفل إلى فراشة ترتمي في أحضان النار، وكي لا يحترق في نيران الآخرين علينا أن نقدم له أنواراً حقيقية.
أما المهرجانات فتُجمع الآراء على مساهمتها في الرقي بالفن المسرحي الموجّه للطفل، ولا يمكن فصل هذه الأشياء عن بعضها البعض لأنها في المحصلة تفاصيل لمشروع واحد، فإذا ما وضع المعنيون بمسرح الطفل خطتهم لمشروع وطني يهتمّ بمسرح الطفل وثقافة الطفل، فالتحصيل الحاصل أن يكون هناك ورشات عمل ومهرجانات، ولكن يجب أن يكون بطريقة مدروسة لأن مثل هذه المهرجانات يمكن أن ترفد الساحة الثقافية بحياة مسرحية ينعم بها الأطفال بالمرح والترفيه والتعليم، وأن تساهم برقي مسرح الطفل وورشات الكتابة أيضاً، وربما تساعد في خلق كتّاب ذوي رؤية مهمة لمخيلة الطفل، وربما تساهم أيضاً بصقل موهبة الكتّاب الحاليين مع تحقيق الطقس المسرحي عن طريق الدعم المادي المناسب والمتخصّصين المتفرغين والبنى التحتية المناسبة وإذا تحقق الشرط الأول تتحقق باقي الشروط.