داء اللامبالاة المستفزة!!
غسان فطوم
باتت الممارسات والسلوكيات الخاطئة، التي تتنوع بالشكل والمضمون، ظاهرة مقلقة في العديد من المؤسسات، وهي تتجلى باللامبالاة بالأنظمة والقوانين، والتقاعس في انجاز واجبات العمل، والتنمر بين الموظفين من خلال بروز التكتلات الوظيفية السلبية، والعبث المتعمد بالمرافق العامة والهدر في الموارد وغيرها من الظواهر السلبية، التي تشكل بمجملها مشاهد غير لائقة، والغريب أن الكثير منها لا يُقابل بأي إجراء يضع حداً لها!
للأسف، الأمثلة على هذه الهشاشة المجتمعية والفوضى المقلقة كثيرة جداً؛ ففيما يخص العمل في المؤسسات، لا تتوقف الشكاوى من تأخر انجاز المعاملات بسبب موظف يقضي جلّ وقته بالثرثرة، أو بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ليكون “آخر همّه انجاز عمله،”، فيما يحاول آخر ابتزاز صاحب المعاملة ومساومته دون خوف أو خجل (على عينك يا تاجر!!)، و ليت الأمور تقف عند هذا الحد، بل تتجاوزه إلى درجة الفساد المالي الكبير في سرقة المال العام، وملفات القضاء حافلة بمثل هذه القضايا!
لا ننكر أن الظروف التي نعيشها أثرت كثيراً على سلوكيات الناس عامة، والعاملين خاصة. لكن، هل هذا يبرر كل هذه اللامبالاة المستفزة، لدرجة الانفصال عن الواقع والعمل وفق مقولة “أنا ومن بعدي الطوفان”؟ ولماذا غاب الشغف وحب التميز بالعمل؟ ولماذا يكره الموظفون الذهاب إلى العمل؟!
بالتأكيد، ثمة أسباب كثيرة لهذا السلوك غير المرضي، فعندما يشعر موظف مجتهد وذو خبرة أنه مهمّش في مؤسسته من أجل تعويم آخر “مدعوم” تصبح علاقته بمؤسسته علاقة انتفاع مادي لا أكثر، وينتظر أي فرصة سانحة لترك العمل، فلا أحد يرضى أن يكون مدفوناً في مؤسسته، خاصة إذا كان من ذوي الخبرة والكفاءة العالية. ولا شك، عندما تغيب المحاسبة الرادعة يتجرأ الموظفون على ارتكاب شتى أنواع الفساد المالي والإداري مستغلين مناصبهم ونفوذهم، وغير ذلك من المخالفات والارتكابات التي تصل لحد الجريمة بحق الوطن.
مختصر الكلام.. هناك تقلص أو انكماش واضح في الإحساس بالمسؤولية، وكأنها باتت عبئاً ثقيلاً، ليس فقط على مستوى الموظف العادي، بل حتى بعض من يعمل في مفاصل مهمة بات مصاباً بهذا الداء. وهذه حالة مرضية خطيرة يُخشى أن تتأصل في مؤسسات العمل، وتضعنا أمام أزمات ومشكلات نحن بغنى عنها، لذا علينا أن نفعّل نظام الثواب والعقاب، والإسراع بإقرار نظام التحفيز الوظيفي وعدم التأخر به، وأيضاً العمل على تحسين الواقع المعيشي للعاملين لمواجهة التضخم، فبغير ذلك ستبقى العديد من المؤسسات بيئات محفزة للفساد، وداعمة لتكريس اللامبالاة وطرد المجتهدين والمخلصين من أصحاب الإحساس العالي بالمسؤولية!