نتيجة الظروف.. 1 من بين 5 أشخاص يعاني من مرض نفسي.. وقلة في عدد الأطباء النفسيين
دمشق- لينا عدره
في المجتمعات المستقرة يعاني شخص واحد من بين تسعة أو عشرة أشخاص من اضطراب نفسي وفقا لما بينته الإحصائيات العالمية.. أرقامٌ ونسب تختلف تبعا للظروف، لتزداد وترتفع في البلدان المأزومة التي تعاني من حروبٍ أو أزمات طويلة. وفي سورية، لا شك سببت الحرب ازديادا في الاضطرابات النفسية، تبعا لما ذكره د. جميل ركاب، الاستشاري في الطب النفسي، الذي أكد أن الطبيعي هو ارتفاع النسب في بلدٍ تعاني من حربٍ وأزمات متراكمة، اقتصادية معيشية اجتماعية وعقائدية ووطنية، ووضعٍ اجتماعيٍّ قاسٍ انعكس على آلاف كبار السن الذين باتوا دون مرافقين، إضافة للأسر المتفككة والأبناء الذين يعيش كُل فردٍ منهم في بلد، موزعين ما بين ألمانيا ومصر ودبي وغيرها من الدول، مع قرابة مليون شخص ما بين مفقود وشهيد وفق مصادر وطنية، ما يعني ضمنا أضعاف الرقم المذكور لعوائل تعيش حدادا طويلا على أبنائها.
د. ركاب بين أن أرقام الاضطرابات النفسية تتضاعف في البلاد المأزومة وفي الظروف غير النموذجية، مشيرا إلى ارتفاع الأرقام في سورية رغم عدم وجود إحصائيات، لأنها – أي الإحصائيات – لن تكون إلا عملا يستهلك الموارد ولن يغير شيئا في الحقائق. وبمعنى آخر – يوضح ركاب – نحن حتى لو أنجزنا إحصائية ما، وصرفنا عليها ميزانية منظمة الصحة العالمية وجزءا من ميزانية وزارة الصحة وميزانية مُقدمي الخدمات على الأرض، كل ذلك سيكون في النهاية بهدف الحصول على نتائج لن تفيدنا. وسواء كانت نسب الاكتئاب 7 أو 10%، ما الفرق إذا لم نقدم خدمات لهؤلاء؟ مضيفا: يمكننا الاستفادة من الأـرقام العالمية التي أُنجزت في ظروف مشابهة لنحصل على إحصائيات خاصة بنا، كإحصائيات منظمة الصحة العالمية في العراق أو لبنان أو باكستان التي شهدت فيضانات مدمرة، وبناء عليها نستنتج بأن واحدا على الأقل من بين أربع أو خمس أشخاص حاليا يعاني من مرض نفسي في سورية، أي 20 إلى 25%! والبعض يقول بأن الرقم قد يصل لـ 30%، أي الثلث، منوها بأن الاكتئاب والقلق هما الأكثر شيوعا حتى قبل الحرب، رغم ارتفاع مجمل الاضطرابات النفسية في الحرب بنسبٍ كبيرة كالاضطرابات المتعلقة بالشدة واضطرابات القلق والاضطرابات الذهانية وتعاطي المواد والمهدئات.
نقطة أخرى أشار إليها د. ركاب وهي نقص قدرة المجتمع على التدخل وعلى إدارة كثير من الاضطرابات الأخرى كاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه عند الأطفال الذي لا شك أن ازدياد احتمالية ارتفاعه واردة جدا في الظروف الحالية، خاصة مع انخفاض اهتمام ومتابعة الأهل، وما يرافق ذلك من افتقاد المدارس لمقومات التعلم التشاركي الجاذب، مع فقدان أساتذتها دافعية العمل، لتكون النتيجة حتما بالنسبة لهؤلاء الأطفال أثرٌ أكبر للمرض نفسه، وبدرجة أعلى مما كانت عليه في السابق، سواء على الطفل أو على البيئة المحيطة به.
وبالنسبة للفئات الأكثر تأثرا في الحرب، بين ركاب أن الشباب هم الأكثر تأثرا وأذية كونهم الفئة المستهدفة بشكلٍّ أساسي في كل المجالات سواء الاقتصاد أو الوضع الأمني العام أو الحريات الفردية والتفكير في السفر والهجرة، لذا غير مستبعدٍ أن يكون هذا أحد الأسباب التي تؤدي لإصابتهم بالأزمات القلبية.. وطبعا من دون إغفال الأثر السلبي الكبير لعوامل أخرى تسبب أزمات صحية للشباب كالتدخين ونمط الحياة والتغذية السيئة وعدم ممارسة الرياضة من جهة ومن جهة أخرى عدم الحصول على السوائل بشكل حقيقي.
وفي سياقٍ متصل، بين ركاب بأن النقص الكبير في الأطباء النفسيين بات يمثل مشكلة حقيقية، خاصة وأن هذا النقص تزامن مع ازدياد الحاجة إليهم، لافتا إلى أن الوضع الراهن بات يُشكِّلُ بيئة غير جاذبة للعمل بغض النظر عن طبيعة الاختصاص أو المهنة، سواء في الطب الذي طال النقص مجمل فروعه، وفي مقدمتها الطب النفسي، أو غيره، ما يجعل النقص شديدا في اختصاصاتٍ كثيرة، مشيرا بأن عدم توفير بيئة جاذبة للعمل والانتباه لجملة العوامل الأخرى كالضرائب وملاحقة الأطباء ماليا بطريقة مؤسفة.. جميعها تُشكِّلُ بيئة طاردة للاستثمار الطبي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى بيئة منفرة وغير جاذبة للأطباء، لافتا إلى أن آخر إحصائية للأطباء النفسيين أشارت إلى أن عددهم بلغ حوالي 73 طبيبا في كل سورية، منهم قرابة 40 إلى 50 في دمشق، مع الإشارة إلى أن قسما منهم لا يعمل لعدم امتلاكه عيادة خاصة، ولاستحالة شراء أو استئجار عيادة في ظل الأرقام الفلكية للعيادات، مع غياب تام لوجود أي طبيب في محافظات بأكملها، لافتا بأن أسعار الأدوية النفسية لا تزال الأرخص في السوق السورية، ولكن حتى هذا الرخص بات يشكل عبئا على المواطن.