حزب البعث العربي الاشتراكي بين المبادئ والأهداف وضرورات التغيير والتحديث
د. منيرة فاعور- جامعة دمشق
بعد ستة عقود من تجربة الحزب في قيادة الدولة والمجتمع لابد من مراجعة هذه التجربة وتقويمها التي مُنيت بانتكاسات حيناً، وبانتصارات حيناً آخر.
وبسبب المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، لابد من إعادة النظر بأهداف الحزب ومبادئه ومنطلقاته النظرية؛ فعوضاً عن الوحدة والحرية والاشتراكية تظهر هناك دعوات للمواطنة، والعدالة الاجتماعية، والتنمية، والتعاون الإقليمي والدولي، على أساس حفظ المصالح والتحالفات والحقوق الوطنية.
وعلى الرغم مما شهدته سورية من تطورات، ولاسيما إلغاء المادة الثامنة من الدستور السابق، بما يحدّ من دور الحزب في قيادة الدولة والمجتمع، ويفسح المجال لمشاركة قوى سياسية وطنية أخرى على أساس غير مذهبي أو طائفي، وبغية توسيع المشاركة في الحياة السياسية، فإن دور الحزب لم يتغير، طالما أن الحزب مستمر بالتدخل في مجمل شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولاسيما في المحافظات؛ حيث لا تزال سطوة الحزب واضحة في ترشيحات السلطات التنفيذية الحكومية أو التشريعية، وكذلك التدخل في عمل النقابات والمنظمات الشعبية والإغاثية. وبذلك تستمر العلاقات الشخصية والمصالح والارتباطات الخاصة في الإدارة العامة؛ وقد ظهرت طبقة رجال أعمال جديدة نتيجة الحرب في سورية، واستأثرت إلى حد كبير بخيرات الوطن؛ لتثرى على حساب الجماهير الكادحة التي آمنت بالوطن ودافعت عنه وتشبثت به، وبذلت الغالي والرخيص في سبيله.
ومع دعوات الإصلاح ومكافحة الفساد، فإننا لا نزال نكتشف بين الآونة والأخرى فضائح تطال شخصيات ورجال أعمال لم يكونوا على مستوى من الكفاءة والنزاهة، وللأسف، لا نعرف من قام بترشيحه حزبياً أو حكومياً.
وهذا للأسف ما أفقد الحزب جزءاً كبيراً من جماهيريته، وتجلى ذلك خلال الأزمة (الحرب في سورية وعليها)، حيث تبين هشاشة دور الجهاز الحزبي وضعفه في التصدي للمؤامرة على سورية؛ لا بل كان دور القيادات الحزبية أكثر ضعفاً في مواجهة الآلة الإعلامية الحاقدة على سورية. ونادراً ما ظهر عضو قيادي ذو كفاءة وفكر وحجة مقنعة في مواجهة الأفكار المتعصبة والحاقدة وغيرها.
وليس هذا وحسب، فقد اكتفت تلك القيادات بالتمسك بامتيازاتها وقيامها بدور الداعم أو الشريك لمجموعة رجال الأعمال الجدد، تحت ذريعة الظروف الخاصة، والحظر، والمقاطعة، والحصار، وقد استغلوا انتصارات شعبنا العربي السوري للتستر على دورهم الهش والاستفادة من تطورات الأزمة.
ومع ذلك، فإن متطلبات المرحلة تستوجب تجديد الدماء، وتستوجب كذلك الدفع بوجوه جديدة أكثر كفاءة ونزاهة وشعبية وجماهيرية، والانتخابات القادمة يجب أن تمر من خلال قنوات جديدة غير تقليدية، والترشيحات التنفيذية والتشريعية يجب أن تمر من خلال قنوات جديدة لا أمنية، ولا حكومية، ولا حزبية، ويجب البحث عن آخرين من ذوي السمعة والكفاءة والنزاهة ومن أعماق الجماهير، وليس من رجال أعمالهم.
دماء الشهداء والمتضررون من الحرب من ذوي الإعاقات بدرجاتها المختلفة، وصغار الكسبة، والموظفون، ينتظرون الفرج وتحسّن الظروف المعيشية، وهذا كله لن يتحقق وفق آليات العمل والقوى الاقتصادية الحالية؛ فلابد من حركة تصحيحية جديدة في القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبغير ذلك سيكون القادم أصعب.