“خيول المعنى” لـ عبد الرضا الحميد على طريق “تضاد”
دمشق- عبد الكريم العفيدلي
تنتمي “خيول المعنى” إلى أدب مجموعة “تضاد” التي أسّسها عبد الرضا الحميد مع مجموعة من زملائه في عام 1989م، وكان الهدف منها إحداث تغيير في الساحة الأدبية وذلك بإعلاء صوت الأديب وجعله مسموعاً.
ويتحدث الحميد عن استخدام اللغة المسرحية في تواشج السردية من مسرح ورواية وقصة وشعر في هذا الكتاب، ويقول: “أنا أنتمي في بداياتي إلى المسرح، ومشبّع بفكرة أن المسرح يمكنه صنع شيئاً كبيراً في حياة الناس، وفي تلك الفترة كان المسرح يشتغل بأجنحة عدة من قبيل النقد والهجاء السياسي واستثارة الناس، وكان له دور كبير في تلك الفترة، أما الآن فإن المسرح وهو أبو الفنون يشهد خمولاً في العراق”.
وعن تعرض “خيول المعنى” للنقد من قبل النقاد العراقيين واتهامهم له بتقليد الغربيين من أمثال “ماركيز”، يوضح الحميد: “في المرأى الذي سمّيته “انتحار الرغيف الذي استحم برماد الخشية” هذا النص كتب عندما فقدت عائلتنا أحد صبيانها بمرض الكوليرا، فتخيّلت المرض يتجول بيننا كامرأة حسناء تأكل ما تشاء، وكان الخوف كائناً يلتهم بغداد، أما عن تقليد “ماركيز” فهو رأي شاعرٍ تحول إلى ناقد، ومن المفهوم أن الشاعر عندما يشعر بخطر على أدواته الشعرية ينزاح إلى النقد، ليس هناك من أوجه تشابه بين “خيول المعنى” وأي من اشتغالات “ماركيز”، لأن “ماركيز” اعتمد الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية، أما في العراق فهذه الواقعية أشدّ قسوة ومضاء، والمجتمع العراقي يمور على صفيح ساخن من التضاد والصراعات الاجتماعية والكثير من الأوبئة الوافدة لهذا المجتمع.
جدارية درويش
ويستحضر الحميد اقتباسات شعرية من جدارية محمود درويش في هذا الكتاب، ويحدّثنا عن ذلك بالقول: “يكاد يكون محمود درويش القاسم المشترك بين الشعراء العرب الذين احتموا بجدار القومية العربية، الحاجة الفلسطينية كانت حاجة قومية لذلك ملت إلى صوت محمود درويش لأنه أكثر ايقاعاً وتعبيراً عمّا يمور في دواخل الناس، ورداً على من اتهمني بأني أخذت من درويش ولم يكن درويش مطابقاً في شعره لشخصيته الحقيقية ليس بالضرورة أن يكون الشاعر مشابهاً لنصه، وهنا يجب التفريق بين الإبداع والشخص لأن الإبداع يكاد يكون حالة منفصلة، ولو أخذنا الجواهري مثلاً يظهر بالمشهد العراقي متمرداً وثائراً، وفي نواحي ثانية نجده شاعر بلاطات وشوقي أيضاً سبقه إلى ذلك، وسبق هؤلاء جميعاً المتنبي”.
النقد والأدب
وعن النقد والأدب وارتباط كل منهما بالآخر أم أحدهما يسبق الآخر يقول الحميد: “الأديب مبتكر حياة، أما الناقد فيأتي مفسراً لما ابتكره الأديب أو مكتشفاً لبعض ثنايا النص الأدبي، وثمّة مقولة لدينا في العراق مفادها أن الناقد أديب فاشل، ولا يمكن أن نقول إن النقد والإبداع يمشيان على خطين متوازيين لأن الأدب أقدم من النقد منذ التكوين البشري واكتشاف الكتابة، ولولا قدم الأدب لما كان النقد، أما أن يتحايثا في مراحل تطور الأدب هذا وارد لأن السباق بين المدارس النقدية والمدارس الأدبية يتواشج على نحو ما، والنقد في العالم العربي متأثر بالمدارس الغربية وتعاطى مع الأديب العربي تعاطي المستهلك وليس تعاطي المنتج، وفي العراق مع الأسف لايزال النقد العراقي يتتلمذ على المدارس النقدية الغربية ويكاد يكون هذا التتلمذ مصدر فخرٍ للمتتلمذين به”.
العربي المقاوم
يفضّل الحميد أن يوصف بصفات بصفة محدّدة، يوضّح: “سجل أنا عربي، صفة العربي المقاوم لكل المشاريع التي تحاول استبدال الأمة العربية بأمة ثانية مريضة وعاجزة ومقلدة ومستهلة، عربي يتشرف بأن يكون من الماكثين على شرب المياه النقية من البئر الأولى لأمتنا العربية وهي بئر دمشق التي تتبنى المشروع الثقافي العربي المقاوم الذي لا يمكن لأي عاصمة من عواصم العرب أن تتبنى فكرة هذا المشروع العظيم سوى دمشق، هذه العاصمة أعطت للبشرية ما لم تعطه أي عاصمة أخرى من فنون السياسة والتنوير والحداثة، لذلك هي المؤهلة لقيادة هذا المشروع.
المشهد الثقافي في ظل الحرب
ويوضّح الحميد أكثر ما يشدّه في المشهد الثقافي السوري في ظل الحرب المفروضة بالقول: “في سورية كانت صدمة الحرب بعد كذبة كبيرة اسمها “الربيع العربي”، لكن الصدمة الأولى للحرب الإرهابية سرعان ما كشفت فراسة الشعب السوري فراسة تاريخية ونادرة أدّت إلى التحام مصيري بين الشعب وقيادته، وأنتجت التحاماً بين المبدع في الأدب والفن والمسرح والشعر مع وطنه، وانصهار هذه العناصر فيما بينها أدى إلى اصطفاف نادر في نوعه ونتائجه، وهذا إن دلّ يدل على وعي الإنسان السوري وإدراكه للمؤامرة التي تستهدف وجوده.