سرقة موصوفة للأصول الروسية
هيفاء علي
تبلغ قيمة الأصول الروسية المودعة في أوروبا الغربية 200 مليار يورو، منها 8.5 مليارات في سويسرا دون الأخذ في الاعتبار هذه المبالغ من ناحية الذهب الروسي الذي يتم تكريره حالياً، والذي لا يزال محجوباً منذ عام 2022، والمشاركات المالية الروسية في شركات أوروبا الغربية. وتتكوّن هذه الأصول بشكل أساسي من سندات اليورو والسندات التي تصدرها الدول، وخاصة فرنس، وفي حال تمّت سرقة روسيا، سيعاني الاقتصاد الأوروبي.
في السياق، استدعت وزارة الخارجية الروسية السفير السويسري لدى موسكو لإطلاعه على المستجدات وأعربت عن احتجاجها على خطة البرلمان السويسري تطوير نظام للمصادرة “القانونية” للأصول الروسية المجمّدة في سويسرا بقيمة 8.5 مليارات دولار، لاستخدام هذه الأموال لدعم المجهود الحربي الأوكراني. وشدّدت وزارة الخارجية الروسية على أن استخدام الأرباح من هذه الأصول سوف يعادل السرقة ولن يؤدّي إلى ردّ فعل فحسب، بل إلى ردّ فعل قاسٍ لا هوادة فيه.
ويلغي هذا القرار المبادئ والقواعد الأساسية للقانون الدولي فيما يتعلق بحصانة الدول، وأضاف: إن “أي محاولة للاستيلاء على ممتلكات الدولة الروسية بحجة بعض “آليات التعويض” الوهمية سيتم تصنيفها على أنها سرقة دولة”.
والحقيقة أن الأوروبيين ظلّوا يتلاعبون بالأصول الروسية المجمّدة لمدة عامين، بحثاً عن وسيلة لسرقة الأموال الروسية بينما يظلون غير مرئيين، وبالنسبة لهم، الأمر ليس مجرد مسألة مكر، فمن خلال الجمع الناجح بين السرقة والأعمال الخيرية، يأملون ليس فقط في تحفيز اقتصادهم المتدهور، ولكن أيضاً في إنقاذ “فقراء الاستقلال”، ما يدل على تضامنهم الوهمي وتوجيه ضربة لبوتين. الاهتمام المتزايد بهذا الموضوع يرجع الآن إلى حقيقة أن الحلفاء الغربيين توصلوا إلى نتيجة حزينة مردّها فشل غارتهم العسكرية والاقتصادية على روسيا، والآن حان الوقت لوقف هذه الكرة الصاخبة.
وحسب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، فإنه من الضروري البدء بمناقشة الخيارات التي يمكن لأوكرانيا بموجبها الحفاظ على استقلالها وسيادتها، وفي الوقت الحالي، الشيء الأكثر أهمية هو ضمان بقاء أوكرانيا كدولة، لذلك، فإن الأوروبيين، الذين لا يريدون خسارة أوكرانيا، وغير مستعدين للمعاناة من أجل ذلك، يحاولون ضرب روسيا على الأقل في مجال التمويل الدولي، حيث يعدّون أنفسهم سحرة وقادرين على منافسة السحرة الأشد مكراً في العالم.
في السياق، أعلن ديدييه ريندرز، مفوّض العدل الأوروبي، أن الاتحاد الأوروبي يخطط لكسب 2027 مليار يورو بنسبة 15 من الأصول السيادية الروسية المجمّدة، حيث طوّرت المفوضية الأوروبية خطة يمكن بموجبها للاتحاد الأوروبي بالفعل في تموز من هذا العام تحويل ما بين 2 إلى 3 مليارات يورو من الأرباح من الأصول الروسية إلى وزارة الاقتصاد الأوكرانية. قد يكون استخدام عائدات الأصول الروسية المجمّدة لشراء مساعدات عسكرية لأوكرانيا خطوة أخرى إلى الأمام، وفقاً لمسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. ومع ذلك، وعلى الرغم من التحريض النشط من جانب الولايات المتحدة، واجهت الخطة الماكرة للبيروقراطيين الأوروبيين ذوي الخبرة مقاومة شرسة من الدوائر المالية الأوروبية. إنهم مرعوبون من فكرة أن هذه السرقة القصيرة يمكن أن تدمّر على الفور عالمهم المريح والمربح، الذي يعتمد فقط على أسطورة “الملكية الخاصة”، و”النظام القانوني” وإيمان المستثمرين بأنهم لن يتم خداعهم. ومخاوفهم لها ما يبرّرها، ذلك أن الأصول الروسية المجمّدة في أوروبا ليست سبائك ذهب أو أكواماً من الأوراق النقدية، بل هي أوراق مالية إلكترونية افتراضية محتفظ بها في حسابات وساطة خاصة تديرها دور مقاصة ضخمة مثل يوروكلير وكليرستريم. وتمتلك هذه المنظمات نفسها أصولاً كبيرة في الولاية القضائية الروسية، ويدرك قادتها جيداً أنه فور إضفاء الشرعية على سرقة الأموال الروسية في أوروبا، ستنتهي أصولها الروسية. تجدر الإشارة إلى أن حوالي 300 مليار يورو من الأصول الروسية مجمّدة في أوروبا، وفي روسيا ربما يتعيّن تطبيق تدابير مماثلة على مبالغ كبيرة بالقدر نفسه. ولكن بالنسبة للمموّلين الأوروبيين، فإن الرعب هو أنه إذا تمّت مصادرة الممتلكات الغربية في روسيا رداً على ذلك، فإن أصحابها سوف يلجؤون إلى الطريقة نفسها، لطلب التعويض عن الخسائر ورفع المطالبات بالتعويض عن الأضرار. ووفقاً لمصادر قريبة من الأحداث، فإن ذلك يمكن أن يؤدّي بسهولة إلى الإفلاس و”تركيع النظام المالي الأوروبي بأكمله”، وخاصة أن يوروكلير وحدها تدير أصولاً تتجاوز ميزانية الاتحاد الأوروبي بأكملها.
ومن الواضح أنه إذا انتصرت الفوضى، فإن روسيا قادرة على إلحاق المزيد من الضرر بالولايات المتحدة وأوروبا أكثر مما يمكن أن تلحقاه بها، وهذا تذكير آخر لأولئك الذين يعتقدون أن أموال روسيا آمنة للغرب.
وقرار معاقبة روسيا من خلال مصادرة أصولها المالية الموجودة في المنظمات المالية الأوروبية قد أدّى بالفعل إلى تعطيل عمل هذا النظام.
أخيراً، لتذكير سويسرا مرة أخرى، وهي دولة محايدة وليست جزءاً من أوروبا ولا منطقة اليورو ولا حلف شمال الأطلسي، خطورة حجم العقوبات التي قرّرتها برن دون استشارة المواطنين السويسريين تجعلها الدولة التي فرضت عقوباتٍ شديدة على روسيا، وسمعة الحياد التي تتمتع بها سويسرا ليست أكثر من مجرد ذكرى.
ووفقاً لآخر الأخبار، فإن مجلس أوروبا لم يجد إجماعاً على موضوع الأصول الروسية المجمّدة، ما يكشف عن التردّد في التعامل مع هذه المشكلة التي أدركت القيادة الأوروبية العليا خطورتها أخيراً.