دراساتصحيفة البعث

يوم الأرض.. أوّل تحدٍّ للاحتلال

د. معن منيف سليمان

يُحيي الشعب العربي في فلسطين المحتلّة في يوم الثلاثين من آذار، الذكرى الثامنة والأربعين ليوم الأرض الذي يُعدّ أوّل تحدٍّ للاحتلال الإسرائيلي بعد عام ١٩٤٨، ردّاً على سياسة مصادرة الأراضي والتهويد التي ينتهجها الاحتلال. وقد أدّت الهبّة الجماهيرية عام ١٩٧٦ إلى استشهاد عدد من المواطنين وجرح آخرين واعتقال العشرات، وتثبيت هذا اليوم كذكرى تاريخيّة وطنيّة سمّيت “يوم الأرض”.

ففي آذار عام ١٩٧٦ أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مصادرة نحو ٢١ دونماً من الأراضي الفلسطينيّة في الجليل بهدف بناء المزيد من المستوطنات في إطار خطّة تهويد الجليل التي ينفّذها الاحتلال الإسرائيلي، ما دفع الفلسطينيين للاحتجاج وإعلان الإضراب العام في يوم الثلاثين من آذار.

حاولت سلطات الاحتلال كسر الإضراب بشتّى الطرق ثم لجأت إلى القوّة، ما أدّى إلى صدام بين القوّات الإسرائيلية والمواطنين الفلسطينيين كان أعنفها في قرى سخنين، وعرابة، ودير حنّا.

وتطوّرت الأمور مع تصاعد شدّة الصدامات إلى دخول قوّات معزّزة من الجيش الإسرائيلي مدعومة بالدبابات والمجنزرات إلى القرى الفلسطينية وأعادت احتلالها، وأدّت الصدامات إلى استشهاد ستة فلسطينيين وجرح نحو ٤٩ واعتقال أكثر من ٣٠٠ آخرين.

ورفضت سلطات الاحتلال تشكيل لجنة للتحقيق في ظروف مقتل هؤلاء، على الرّغم من أنّهم كانوا يحملون الهوية الإسرائيلية ما يثبت عنصرية هذا الكيان.

وكانت مصادرة الأراضي الفلسطينية في إطار سياسة التهويد قد بلغت ذروتها في مطلع ١٩٧٦، وتتمّ تحت ذرائع مختلفة تسوّغها مزاعم “القانون” وخدمة “الصالح العام”، أو تفعيل ما يعرف بـ”قوانين الطوارئ” الانتدابية.

كذلك كان صدور ما يسمّى وثيقة “كيننغ” في الأول من آذار عام ١٩٧٦، التي تنسب إلى متصرّف ما يسمّى “لواء الشمال” في وزارة الداخلية الإسرائيلية المدعو “يسرائيل كيننغ”، وهي وثيقة كانت سرية تهدف إلى إفراغ الجليل من سكانه الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وتهويدها.

وتواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي عملية مصادرة الأراضي الفلسطينيّة فيما يطلق عليه “الداخل” وفي الضفّة الغربية بهدف بناء المستوطنات، فاستولت على أكثر من ٨٥ بالمئة من الأراضي الفلسطينية، حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الحكومي، وعزّزت جهودها للاستيلاء على منازل الفلسطينيين وطرد سكانها الذين يقطنون في حي الشيخ جراح لمدة طويلة.

لقد حملت أحداث يوم الأرض – الإضراب والصدامات – دلالاتٍ على وجود قضيّة وطنيّة جامعة تخص الأقليّة الفلسطينيّة التي تقع تحت سيطرة الاحتلال مباشرة ويطلق عليها “عرب ٤٨” الذين أجمعوا على أنّ يوم الأرض هو انعطاف تاريخي في مسيرة بقائهم وانتمائهم وهويتهم العربية منذ نكبة فلسطين ١٩٤٨، وتأكيد لتمسّكهم بالهوية والتشبّث بالأرض، ووحّد يوم الأرض جميع الفلسطينيين حول قضيتهم الوطنية بعد أن كان النضال فردياً ومحدوداً، ما يعدّ صفعة على وجه الاحتلال تلقاها من جماهير ساخطة تمتلك الأرض وحق الدفاع عنها.

ومع استمرار سياسة مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي، فإنّ معركة الأرض مستمرّة حتّى التحرير وزوال الاحتلال، وما عملية طوفان الأقصى إلا فصل من فصولها.