تحقيقاتصحيفة البعث

تنتظر من يأخذ بيدها.. الزراعة العضوية جواز سفر للأسواق الخارجية ومنتجاتها رابحة وآمنة صحياً وبيئياً

ميس بركات 

لا يختلف اثنان على أن الأمراض التي ازدادت في السنوات الأخيرة مردّها إلى الأغذية التي نتناولها. وهنا، لا نتحدث عن الوجبات الجاهزة أو المواد المعلّبة فقط، بل وصلت الخطورة للأغذية التي تحوي على الخضار الطازجة، والتي باتت مليئة بالهرمونات والمواد الكيماوية الخطرة على صحتنا، الأمر الذي أعاد الحديث عن الزراعة العضوية إلى الواجهة من جديد. وعلى الرغم من ندرة هذه الزراعة قبيل سنوات الحرب، إلّا أن التوّجه اليوم لها بات أمراً ضرورياً، لاسيّما وأن هذه الزراعات لا تمر بصعوبات التصدير بل على العكس تأتي في قائمة الزراعات المطلوبة للخارج.

خطورة الكيماوي 
وعلى الرغم من أن بلدنا تتوفر فيه جميع مقومات النهوض بهذه الزراعة، إلّا أن المضي بها لا زال في بدايته، رغم الجهود المبذولة من وزارة الزراعة للعمل بها، بحسب المهندس الزراعي بشار الأحمد، لافتاً إلى أن الميزات الإنتاجية والتسويقية والحاجة الملحة لها اليوم جعلت وزارة الزراعة تقوم باتخاذ مجموعة من الخطوات لدعم “الزراعة العضوية” ونشر مفاهيمها والتوسع بها، ولعلّ أهم هذه الخطوات هو وجود مكتب الإنتاج العضوي في الوزارة والخدمات التي يقدمها للوصول إلى منتج عضوي وطني من خلال جهود كثيرة بذلها أهمها تدريب الفلاحين عملياً على الزراعة العضوية وتأهيل الكوادر الفنية المختصة التي تعزز ثقافة الزراعة العضوية في المجتمع وتنشرها مابين الفئات المختلفة منه، إضافة إلى تجهيز تأسيس دوائر فرعية في جميع المحافظات ورفدها بالكوادر اللازمة وتجهيزها بالبنية التحتية المؤسساتية اللازمة ودعمها بالمستلزمات والمعدات والآليات والتجهيزات اللازمة للعمل، ونوّه الأحمد إلى إعطاء جميع دول العالم الأولوية لهذه الزراعات بعد أن كان التوجه دائماً نحو الزراعة الكيماوية نتيجة استسهال العمل بها وزيادة الإنتاج أضعاف العضوية، إلّا أنه ومع مرور السنوات أدرك العالم أجمع خطورة الكيماوية وما سببته من أمراض معوية وسرطانية لتعلو المناشدات بوأد هذه الزراعة والعودة إلى العضوية التي تحتل المرتبة الأولى لجهة صحتها وتخفيضها لنسبة التلوث في مكونات البيئة.

تأييد التنمويين
وبرأي الخبير التنموي أكرم عفيف فإن الزراعة العضوية هي أحد أهم البدائل التي يتم العمل عليها، لا سيّما وأن المنتج العضوي منتج صحي ومطلوب على مستوى العالم، ومن الممكن العمل على ضبط جودته وبالتالي تصديره، لافتاً إلى أن جميع العاملين في المجال الزراعي والخبراء التنمويين يؤيدون اليوم هذا الاتجاه الزراعي، خاصة مع غلاء السماد الكيماوي وتصدّر خيار الزراعة العضوية المتفوقة بميزات اقتصادية وتنافسية كونها تحقق عائدا ماديا كبيرا للمزارع كما تؤمن السلامة الصحية للمستهلك واعتبر عفيف أن الزراعة العضوية حل ناجع لشح الموارد الطبيعية وارتفاع أسعار المبيدات والأسمدة والتلوث البيئي الناتج عن الكيماويات الزراعية، وأشار الخبير التنموي إلى أن بلدنا مؤهل أكثر من الدول الأخرى للتحوّل كلياً إلى هذه الزراعة كوننا نمتلك الكثير من الأصناف المحلية التي يمكن الاستفادة لتكون مدخل الزراعة العضوية.

عائد اقتصادي
وفي وقت يجمع المعنيون بالزراعة على أهمية الزراعة العضوية والجدوى الاقتصادية التي تحققها، لا زال الغالبية العظمى من الفلاحين متحيزين لجهة الزراعة التقليدية من منطلق الربح السريع، الأمر الذي تحدث عنه عبد الرحمن قرنفلة، المستشار الفني في غرفة الزراعة، لافتاً إلى أن الزراعة العضوية مربحة للمزارع والدولة والمواطن معاً، فهي تحقق أرباحاً إذا تم اعتمادها بشكل صحيح يزيد عن 70% عن الزراعة الكيماوية، كما أن التوجه إلى هذه الزراعة سيوفر القطع الأجنبي على الدولة والتي كانت تنفقها سنوياً على استيراد المبيدات والأسمدة الكيميائية، ناهيك عن أنها ستفتح الأبواب أمام التصدير نتيجة توفير فائض كبير من المنتجات الزراعية في السوق بالتالي تأمين أسواق تصريف جديدة للفائض وتحقيق التوازن في الأسعار، أما بالنسبة للفلاحين فتسهم هذه الزراعة في تقليص تكاليف الإنتاج مكافحة الآفات وأمراض النبات.

وفيما يخص مجالات هذه الزراعة، بيّن قرنفلة أنها يمكن أن تشمل أشكال الزراعات والمنتجات النباتية كما ويمكن تطبيق نظام الزراعة العضوية في المناطق الزراعية والحراجية والبادية مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل منطقة والمناسب لها من الإنتاج النباتي أو الحيواني أو كليهما، ولم ينف المستشار الفني أن الزراعة الكيماوية استطاعت إثبات جدارتها في رفع الإنتاج والحفاظ على الأمن الغذائي لسنوات طويلة، لكن تبقى المنتجات الزراعية العضوية أعلى من جهة القيمة الغذائية لاحتوائها على كميات أعلى كثيراً من فيتامين “ج” والحديد والماغنسيوم والفوسفور مقارنة بمثيلتها المزروعة بالطرق التقليدية، واعتبر قرنفلة أن المنتجات العضوية تحتوي على محتوى أعلى كثيراً من المعادن الغذائية الهامة لتغذية الإنسان ومحتوى أقل كثيراً جداً من المعادن الثقيلة الضارة بصحة الإنسان مقارنة بتلك المنتجة بالطرق التقليدية.