بلال شحادات: الاقتباس مشروع والنَّسخ يسيء إلى سمعة الكاتب
أمينة عباس
في رصيده عدد كبير من الأعمال التلفزيونية الدرامية الشهيرة التي حققت نجاحات كبيرة مثل “لو” و”شتي يا بيروت” و”لا حكم عليه” و”عروس بيروت 1″، و”بعد السقوط”، ومع بدء عرض حلقات مسلسله “2024” بطولة نادين نجيم ومحمد الأحمد، مساء الأربعاء وهو الجزء الثاني من مسلسل “2020”، يؤكد الكاتب بلال شحادات لـ”البعث” أن أكبر تحدٍ يواجهه في كتابة جزء جديد للحكاية نفسها هو أن يبقي إيقاع العمل والتشويق عالياً مع تطور الشخصيات بخطّها الدرامي وفقاً للتغييرات والتحولات التي تعيشها، مع المحافظة على توالد الأحداث بشكل مستمر ومنطقي، والوصول إلى نهاية منسجمة مع بداية الحكاية، وأن تكون العناصر مدروسة بشكل دقيق، وترك معلومة في كل مشهد تثير فضول المشاهد للإجابة عن موضوع أو سؤال طرحه.
كتبتَ مجموعة من الأعمال الدرامية التلفزيونية لشهر رمضان، فمتى تشكل هذه الأعمال عبئاً على الكاتب؟
بالنسبة إليّ لا تشكل عبئاً، لأنني أبدأ باكراً، وأضع جدولاً زمنيّاً وأعمل وفقه بانتظام، وأضع مجالاً لأي تأخير أو مشكلة، وأحاول الانتهاء في الوقت المحدد أو قبله بقليل، وطالما يوجد تنظيم فلا توجد مشكلات أو تأخير.
تحضر بقوة من خلال الأعمال الدرامية العربية المشتركة، لكنك غائب نسبياً عن الأعمال السورية، فما هي الأسباب؟
لستُ غائباً بشكل ملحوظ، فقد كتبتُ منذ سنتين سباعية “برزخ” مع “غولدن لاين”، وما يجعلني أبتعد هو ضغط العمل في الدراما المشتركة مع شركة الصباح، ولا أخفي أن فكرة كتابة عمل سوري فكرة قائمة في ذهني يومياً، واليوم أعمل على كتابة نص سوري بهدوء ليُقَدَّم عام ٢٠٢٥.
أشرفتَ مؤخراً على ورشات عدة في كتابة السيناريو، فما هو الدرس الأول الذي يجب أن يتقنه كاتب السيناريو؟
أقمتُ ورشات، إحداها داخل المعهد، واثنتان في مركز “دراما رود”، وكان الفرق بينهما واضحاً، فالتعامل في المعهد مع طلّاب أو خريجين محترفين أسهل لأنهم يعرفون أساسيات الكتابة، أما في مركز “دراما رود” الذي يضم هواة فكان من الضروري العودة معهم إلى أساسيّات الكتابة ومبادئها، ومن ثم الانتقال إلى التدريبات العملية، وهذا يستغرق وقتاً، وأقول دائماً في أول درس إنّ تعلّم الكتابة أمر سهل، لكن الصعب هو ماذا تريد أن تقول أو تكتب أو عن ماذا وما هي الرسالة التي تريد أن توصلها.
درستَ المسرح وعملتَ في الصحافة الفنية، فما تأثير ذلك على كتابتك التلفزيونية؟
مذ كنتُ في السنة الأولى قررتُ أن أكون كاتباً، وبعد تخرجي كتبتُ دراسات نقدية نشرتها في جريدة “السفير” حول المسرح، ومن ثم حول الدراما التلفزيونية الأجنبية بعد أن تابعتُ ما يقارب الـ٣٠٠ مسلسل أجنبي، وهذا كله شكَّل لي مخزوناً ثقافياً ومعرفياً وبصرياً وسمعياً أحرص على تغذيته دائماً من خلال مشاهدة المسلسلات وقراءة الروايات والكتابة عنها لأصدرها فيما بعد في كتاب، وأحرص في كل سنة على إنجاز مشروع صغيرولو بشكل بطيء في مجال الكتابة، إلى جانب كتابة الدراما التلفزيونيّة.
يحتاج الكاتب دوماً إلى ما يشحذ خياله، فكيف تغذّي هذا الخيال؟
تدريسي بشكل دوري تاريخ الأدب المسرحي وتحليل النص المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية شكّل مخزوناً دائماً لي، بالإضافة إلى القراءات الروائيّة التي لا تتوقّف عندي، وكذلك كتاباتي في الدراسات النقديّة ومتابعتي للأفلام والمسلسلات الحديثة وآخر منشورات الأدب العالمي المترجم أو العربي، وكل ذلك يجدد مخزوني لأن المخزون يضمحل متى ما توقف الكاتب عن الكتابة، وهذا كله يفيدني في تقديم مواضيع درامية بطريقة جديدة، مع الإشارة إلى أن كل الأدب العالمي يعمل على ٣٦ موضوعاً، والجديد الذي يجب أن يقدمه الكاتب يكمن في المعالجة والحبكة وتركيب الشخصيات، وأنا أحرص على تقديم ما هو جديد ومختلف في أي عمل ولو كان صغيراً بفضل المخزون الذي أشكّله دون توقف.
المتطفلون على الكتابة الدرامية كثر، فأي دراما أفرزها هؤلاء؟
يوجد متطفلون وجهلة لا يعرفون الكتابة، وبفضل العلاقات استطاعوا تمرير أعمالهم التي ظلت تعاني مشكلات كثيرة على الرغم من الاستعانة بمعالجين عدلوا نصوصهم، وهؤلاء هم من قدّموا صورة سيئة عن الكتابة وأساؤوا إلى سمعة الكتّاب وقلّلوا من قيمتهم، لذلك يجب أن يتم ضبطهم من خلال الورشات التي تُحَضَّر بشكلٍ أكاديمي والتي يتم فيها التأكيد على الثقافة والمخزون البصري السمعي والمعرفي لتقديم جيل من الكتّاب المثقفين، وبوجود هؤلاء يُلغى وجود المتطفلين الجهلة الذين يتكاثرون.
معظم الأعمال اليوم تُقدَّم عبر المنصات، ومنها بعض أعمالك، فهل هناك فرق بين الكتابة لها والكتابة للتلفزيون؟
لا أعتقد أنه يوجد فرق بين الكتابة التلفزيونية والكتابة للمنصّات، فكل منصة أو قناة أو جهة لديها توجه لتقديم أعمال تلفزيونية، ولكن ما يميز المنصات أنها تقدم كل الأنواع، وهذا يتيح للمشاهد فرصة اختيار ما يريد وفي أي لحظة، أما القنوات التلفزيونية فهي تميل لما تطلبه الشريحة الأكبر من المشاهدين من دراما التشويق أو الرومانسيّة .
الدراما التلفزيونية محكومة بسوق عرض وطلب، فبماذا يجب أن يتحلى الكاتب ليعرف متطلبات هذه السوق؟
مع الخبرة والتواصل المستمر يعرف الكاتب المواضيع المغرية بالنسبة إلى المشاهد والقنوات، وأنا أحاول في كل عمل أن أجدّد في تفصيل أو عنصر ما لأن التغيير أو التجديد الجذري قد يُحدِث حالة نفور واستهجان واستنكار، لذلك فالأمر يتطلب الحذر، مع الإشارة إلى أن ذائقة المشاهد التي تعمل وفقها القنوات تتغير كل فترة، ومؤخراً انتشرت ظاهرة الأعمال التركية المعرّبة التي أحبها المشاهد، وقد تنتهي هذه الظاهرة بعد فترة لتنتشر ظاهرة أخرى.. وإجمالاً ما يزال الشكل التقليدي الواقعي للمضمون والذي يمسّ المشاهد هو الأكثر ثباتاً واستمرارية في تاريخ البشرية.
تشهد الساحة الفنية انتشار الدراما المقتبسة، فأيهما أسهل عليك ككاتب كتابة نص تختار أنت موضوعه أم كتابة نص مقتبس عن فيلم أو عن عمل تلفزيوني؟
الاقتباس من وجهة نظر أدبية وعالمية ومن وجهة نظري أمر مشروع كالتأليف المحض، لذلك لا مشكلة لديّ إن كتبتُ حكاية مقتبسة لأنها في النهاية تحتاج للمسة مني ككاتب، والمشكلة أن معظم الكتّاب غير الدارسين للمسرح والذين لا يملكون مخزوناً معرفياً لا يعرفون أن تاريخ التأليف بدأ مع تاريخ الاقتباس، وأن بدايات الدراما كانت مقتبسة، فالمسرح الإغريقي عند نشأته في القرن الرابع قبل الميلاد بدأ باقتباسات من ملحمة الأوديسة، وكل المسرحيات من أيّام المسرح الإغريقي كانت مقتَبَسة من الأساطير والملاحم، وبالتالي فان الاقتباس مشروع ومفيد إن استطاع الكاتب تقديم معالجات جديدة وفقاً لرؤيته والمقولة التي يعمل عليها، ولكن ما هو مرفوض فيه النسخ الذي يسيء إلى سمعة الكاتب.
تبدو بعيداً عن الكتابة الكوميدية، فهل تحتاج هذه النوعية من الكتابة إلى كاتب ذي مواصفات معينة؟
الكوميديا بعيدة عن تكويني وتركيبتي الفكريّة والمعرفيّة، والمعالجات التي أقدمها في حكاياتي جديّة وتعكس موقفي الواضح من الحياة، وفي حال تسربت بعض المعالجات الساخرة من خلال الشخصيات فهي تأتي بشكل ثانويّ وهامشيّ، ومن المؤسف أن معظم الأعمال الكوميديّة التي يعتقد المُشاهد أنها كوميديّة تهريج الذي هو نوع من أنواع الدراما عرفه المسرح الإغريقي حين كان يقدمه بين كل مسرحيتين تراجيديتين تحت مسمى “الساتير”.. إذاً فالتهريج نوع درامي، ولا أعلم لماذا يخجل صنّاع تلك الأعمال من إطلاق هذه الصفة عليه، والكوميديا نوع أصعب وأكثر جدية منه، وأنا لا أفكّر بتقديمه.
ما هي خطورة ومحاذير الكتابة على مقاس النجوم كما يحدث في بعض الأحيان؟
لا أكتب على مقاس البطل، إنما ما يناسبه، وفي حال تمّ الاتّفاق على كتابة حكاية له أسعى إلى معرفة طبيعة عمله وآلياته وأدواته، وماذا عمل في السابق لتجنّب التكرار ولأقدم ما يتناسب مع طاقته وأدواته التمثيليّة بعد النقاش معه والوصول إلى صيغة مشتركة بعيداً عن الإملاءات ومن دون أن يتدخل بالحكاية أو الأحداث والحبكات التي كُتبت حسب البنية الدراميّة لتكون بأفضل صورة، خاصة وأنني أصبحتُ أملك القدرة على تقديم ما يتحمّس له البطل، فأنا لا أكتب لعابد فهد ـ مثلاً- كما أكتب لقصي خولي، لأن لكل منهما ميزاته وأدواته وأدواره التي عملها من قبل.
ما هي حدود المخرج في التعامل مع النص؟
أنا والمخرج صنّاع العمل، نجتمع ونتحدث في النقاط العامة والأساسيّة، ثم يعمل كلّ منّا باختصاصه، فأنا أكتب النص، وهو يحوّله إلى صوت وصورة، وإذا كان لدى المخرج أي استفسار أو رغبة في التغيير والتوسع في موضوع ما يتناقش معي، لكن في النهاية أنا من يبدّل ويغيّر ويعدّل بما يتوافق مع بحثي معه للوصول لنقطة مشتركة، أما تبديل الخطوط والمَشاهد من جانبه فهو شيء مرفوض، علماً أن هناك أموراً تحدث مع المخرج من غير الضروري أن يعود إليّ بها بحكم ضرورات الإخراج طالما هي أمور شكليّة ولا تؤثر على الفحوى.
بماذا يتميز المخرج السوري عن المخرجين الآخرين؟
أشعر بأن المخرجين السوريّين الموهوبين والمتميّزين أكثر عدداً من مخرجي بقية الدول، ومصر وسورية قدّمتا أكبر عدد من المخرجين المتميزين والموهوبين بحكم أن تاريخ الدراما في سورية ومصر قديم، وأعتقد بأن وجود المعهد العالي للفنون المسرحية باختصاصاته المختلفة إلى جانب معهد السينما شكّل أرضيّة لتخريج أكبر عدد من المخرجين والفنيين المتميزين والموهوبين، وأعتقد بأن المخرج بمجهوده وموهبته وميزاته الخاصة التي يعمل عليها بشكل صحيح هو الأساس لتقديم أفضل عمل بغضّ النظر عن الجنسيّة التي يحملها، وبالتالي لا يوجد ميزات تخص المخرج السوري لأن الأمر يعود إلى المتابعة والمخزون والدراسة والتميز والاهتمام.
هناك كتّاب تألقوا في فترة ما، لكنهم سرعان ما توقفوا عن الكتابة، فما الذي يجعل الكاتب يتوقف عن الكتابة؟
التوقف عن الشغف هو المسبّب الوحيد للتوقف عن الكتابة، وبغيابه لا يوجد ما يحمّس ويستفز الكاتب للاستيقاظ والعمل، فالحياة بلا شغف ليس لها طعم ولا مزايا، وفقدان الشغف يعني الموت وتحول الإنسان إلى جثة هامدة، والشغف هو أهم شيء لاستمرار حياة الكاتب وحياة أي شخص في أي مهنة.
تقول في أحد حواراتك: “مشروعي الشخصي هو الرواية” فما الذي يؤخره؟
أتعامل مع كتابة السيناريو التلفزيوني كمهنة لها أساسيّات ومبادئ وشركاء من منتج ومخرج ونجم، في حين أن الرواية مشروع شخصي، أنا فيه صاحب الرؤية والفكرة، وانشغالي في الورشات والتدريس وكتابة نصوص درامية هو ما أخّرني عن إنجازه لأنّ عملية إنشاء سرد روائي تحتاج إلى وقت وهدوء ومخزون معرفي كبير، ومن المحتمل أن أنتهي من كتابة مخطوط روايتي الأولى هذه السنة أو بداية السنة القادمة، بالإضافة إلى رغبتي في جمع قصّص قصيرة كتبتُها وراكمتُها لتكون ضمن مجموعة قصصية.
كيف ترى واقع النقد الذي يواكب تقديم الأعمال الدرامية اليوم؟
النقد الحالي نقد صحفي وليس نقداً أدبياً أو فنّياً، وهو يأخذ الأمور بعموميّاتها ويعالج التفاصيل بشكل بسيط جداً، أمّا النقد الفني والأدبي فهو أعمق وأدق وأكثر جديّة، وهذا يأخذ وقتاً لأن الناقد يجب أن يحضر المسلسل وأن يتابع دراماتورجيّاً تاريخ الكاتب ومستوى أعماله وتاريخ المخرج ومسارات تطوره وما عالجه وبدّله ومن ثمّ يعود للمسلسل ليقدّم دراسة طويلة وعميقة تعالج كل هذه التفاصيل، وهذا هو النقد المجدي والبنّاء، ومعظم الصحفيين اليوم لا يشاهدون العمل كلّه بل يتناولون الحكاية سطحياً لأنهم لا يستطيعون تقديم دراسة طويلة بحكم ارتباطهم بعدد معيّن من الكلمات، فيقدمون دراسات سريعة لا تكون مجدية أو مفيدة لصنّاع الأعمال.
هل تتابع أعمالك كمُشاهد عادي أم ككاتب أم كناقد؟
أتابع أعمالي كناقد شديد القسوة على نفسي، أراقب التفاصيل وألوم نفسي على تفاصيل كان يجب أن تظهر بشكل أفضل، وأسجل ملاحظاتي ونقاط ضعفي وأخطائي لأستفيد منها في العمل التالي لتقديم حكاية بأفضل صيغة، وهذا يجعلني أتطور بين عمل وآخر.