تخبّط رجل الغرب المريض
تقرير إخباري
ليس غريباً على رجب طيب أردوغان رأس النظام التركي استخدام الصوت العالي واللهجة القاسية مع “إسرائيل” للتحايل على مشاعر شعبه وشعوب العالم العربي والإسلامي، لغاياتٍ وأوهامٍ مرضيّة تاريخية حول استعادة إرث الاستعمارٍ العثماني الذي رغم محاولته مد عمره عبر لعب دور “رجل أوروبا” فقد سقط سقوطاً لا رجعة فيه لمرضه.
ومن أعلم ببواطن وخفايا أردوغان أكثر من صديقه ورئيس وزرائه، ومن قبلها وزير خارجيته السابق وعدوّه اللدود حالياً أحمد داوود أوغلو، الذي خطّط مع أردوغان سياسة أنقرة الخارجية، وكانت في بدايتها “صفر مشاكل” مع الجيران، قبل أن تتحوّل إلى إشعال الحرائق في الجوار بكامله على أمل أن تستعيد تركيا لعب دور “الإمبراطورية العثمانية”، مستسهلاً التنفيذ والاحتلال والاعتداء.
وبالعودة إلى داوود أوغلو فإنه توعّد بإماطة اللثام عن العلاقات التجارية والعسكرية التي تجمع نظام أردوغان مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي التي تشنّ عدواناً وإبادةً جماعية بحق الشعب الفلسطيني، وقبل تحذير أوغلو كان أهالي غزة قد كشفوا عن بقايا ذخيرة متفجّرة ألقاها عليهم جيش الاحتلال تحمل شعاراتٍ تدل على أنها تركية الصنع.
ومهما تكاثرت إدعاءات أردوغان ضدّ العدوان الإسرائيلي، فإن مسارات السفن التجارية التي تقلع من موانئه حاملة ومحمّلة بآلاف الأطنان من الأغذية والنفط والسلاح والذخيرة ومن كل ما تحتاجه “إسرائيل” في عدوانها على الشعب الفلسطيني في ظلّ الحصار البحري الذي فرضته المقاومة اليمنية على مرور السفن “الإسرائيلية” أو المتجهة إلى الكيان عبر البحر الأحمر، يكشف عمق العلاقات وتوءمتها بين النظام التركي والاحتلال الإسرائيلي فأحدهما يكمّل الآخر.
وكما أن “إسرائيل” قاعدة متقدّمة لأمريكا في المنطقة، فتركيا أيضاً رأس حربة حلف شمال الأطلسي “ناتو” في الهجوم على روسيا الاتحادية والصين وآسيا الوسطى والمنطقة العربية، بل من خلال الأراضي التركية تستخدم القواعد العسكرية الأمريكية والأوروبية للتجسّس، وفي الوقت نفسه قواعد إمداد وهجوم على معارضي النهج الغربي الاستعماري في الشرق الأوسط، وفي المقابل يسمح الغرب لنظام أردوغان بالتدخل في البلدان المجاورة له في المنطقة بحجّة “مكافحة الإرهاب”، الذي، وللمفارقة تعدّ أنقرة، مصدّرةً له إلى شرق المتوسط وآسيا وأوروبا الشرقية وصولاً إلى إفريقيا.
ولكن، كما يقال، “حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر”، وجاءت الانتخابات المحلية التركية لتؤكد أن الشعب التركي قد ملّ تخبط أردوغان، وأقصى ممثلي حزبه عن الحكم حتى في المناطق والبلديات التي تعدّ معاقل تاريخية له ليتم انتخاب ممثلي المعارضة، وخصوصاً حزب الشعب الجمهوري الذي أعتبر رئيسه أوزغور أوزيل، أن ما حصل سيقود إلى سياسة جديدة في البلاد تعيد القانون المفقود.
والسؤال هنا هل سيراجع أردوغان نفسه ويعيد تقويم سياسات حزبه في خدمة مصالح الغرب التي أدّت إلى هذا الفشل، أم أنه سيواصل خدمتهم عله يحقق أوهام استعادة “الإمبراطورية”؟.
إبراهيم ياسين مرهج