التراث المادي واللامادي في ثقاقي زيدل
حمص ـ عبد الحكيم مرزوق
يعدّ موضوع التراث من الموضوعات التي كثر تداولها منذ عقود، ذلك أن الحفاظ على التراث، كان، ولا يزال، نواة المفهوم الجديد للتراث العالمي الذي تضمنته اتفاقية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام 1972 التي وضعت بنودها منظمة اليونسكو، وقد بدا الاهتمام المتزايد أممياً بالتراث في محاولات إحيائه والمحافظة عليه، وهو نتيجة طبيعية لزحف العولمة على الخصوصيات الثقافية للشعوب، لأن نمطية العولمة تهدد التراث المادي واللامادي بالاندثار والتلاشي.
وانطلاقاً من هذه الأهمية، قدمت السيدة فضة النعمة محاضرة عن التراث السوري المادي واللامادي بالمركز الثقافي العربي في زيدل. والتراث ـ بحسب النعمة ـ هو أنجع وسيلة لصناعة التميز وإبراز الهوية الوطنية والكشف عن ملامح خصوصيتها، عطفاً على تغذية العقل الجمعي ومدّه بالقيم، إلى جانب إسهامه في تشكيل الوعي العام، ولهذا كان الحفاظ عليه ونشره ونقله عبر الأجيال والحرص على ضمان استمراريته مسؤولية الجميع بلا استثناء، وتضيف النعمة: “التراث هو الثروات التي ورثناها عن أسلافنا، ونعاصرها حالياً، ويتوجب علينا توريئها لأبنائنا، ويعد التراث الطبيعي والثقافي أساس الحياة والشرف، ولا يمكن استبدالهما بأي شيء آخر أياً كان”.
وتوضّح النعمة أنّ أنواع التراث تتميز بكونها متنوعة ومتفردة في الوقت ذاته وأنّ من مظاهر التراث السوري اللباس التراثي والمواقع التراثية والأمثال التراثية وتراث الخانات وتراث النحاسة وتاريخها التراث والموروث، وأنّ التراث المادي يشمل الآثار والمباني والأماكن الدينية والتاريخية والتحف من منشآت دينية وجنائزية كالمعابد والمقابر والكنائس والمساجد والجوامع، ومبان حربية ومدنية مثل الحصون والقصور، والقلاع والحمامات، والسدود والأبراج، والأسوار، التي تعدّ جديرة بحمايتها والحفاظ عليها بشكل أمثل، وأنّ التراث هو كل ما تركه لنا الأوائل من علوم كالطب والفلك والتطور الصناعي والزراعي.
أمّا أسباب زوال هذا التراث فهي “الحروب والهجرات والعولمة واندثار بعض المظاهر لأسباب طبيعية ونتيجة للتطور في مجالات الحياة والسبب الأكبر لخسارة هذه المظاهر هو الحروب وما تجره من ويلات”.
وفي حديثها عن التراث اللامادي، ذكرت النعمة بعض مجالاته وهي التقاليد وأشكال التعبير الشفهي والفنون الحرفية التقليدية مثل الموزاييك ونفخ الزجاج والحفر أو النقش على النحاس، وفنون وتقاليد أداء العروض مثل الدبكة والأغاني والموسيقى ومسرح خيال الظل والممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات والمهارات والتقاليد المتعلقة بالطبيعة والكون والتي تنبع من اختلاف البيئة المحيطة.
وختمت النعمة بالدعوة إلى تنظيم سلسلة من حملات التوعية المحلية وتطوير محتوى إعلامي قويّ لتشجيع المجتمعات المحلية للمساهمة في حماية التراث الثقافي اللامادي والعمل على توثيقه. مشيرة إلى أن تحقيق الأهداف المنشودة لا يقع على جهة معينة، إنما على مختلف شرائح المجتمع ومؤسسات الدولة ابتداء من المدرسة، مروراً بالمؤسسات الخاصة والعامة والجامعات، وانتهاءً بالوزارات ذات الصلة بالثقافة والتربية، ولعل في إدخال التراث اللامادي في المناهج التربوية المدرسية والجامعية يساهم في حفظ التراث من الضياع والاندثار، كذلك في تحديثه وعصرنته وفق منهج علمي وبحث معمّق ورؤية إبداعية.