رأيصحيفة البعث

المقاربة الاقتصادية… المرحلة التالية

يعتبر الهم الاقتصادي من أبرز أولويات التفكير سواءً لدى المواطن العادي أو حتى للباحث المختص والمطلع، وخاصةً في ظلّ ما يعيشه العالم من تداعيات اقتصادية سائرة نحو الأصعب، وما تعيشه البلاد في مرحلة ما بعد اعتراف أعدائها بفشل الحرب الإرهابية عليها، مع استمرارهم بتطبيق فصول الحرب الهجينة والمركبة وغيرها من القوى الناعمة؛ فالصراع على سورية محوري على مستوى الإقليم والعالم، ولا يمكن فصله عمّا يجري من صراعات ملتهبة في الفترة الراهنة تثيرها أمريكا ومن لف لفيفها من قوى الاستعمار والإرهاب حول العالم.

وقد لاحظنا منذ دعوة الرفيق الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، السيد الرئيس بشار الأسد، لاجتماع اللجنة المركزية للحزب، وما تلاها من اجتماعات حزبية وأكاديمية متلاحقة، أنها كانت تمثل مرحلة أولى ينصبّ فيها الاهتمام والأولوية الإصلاحية على إعادة البناء الإيديولوجي لـ “البعث” والرفيق البعثي وفق منهجية وعقلية جديدة وقابلية للتطوير الدائم، وبناء الجسور الجديدة والفعالة مع جيل الشباب على وجه التحديد، فضلاً عن إقرار آلية الانتخاب بدلاً من التعيين في تحدّ للوقائع الصعبة والأمراض الاجتماعية والانتماءات ما قبل الحزبية التي كان يخشى البعض من تسببها في عدم إنجاح جملة الاستحقاقات الوطنية القادمة… حيث لوحظ في تلك المرحلة الابتعاد عن المقاربة الاقتصادية التي يحاول ذوو الدخل المحدود ربطها بأي ملف إصلاحي مهما احتوى من مؤشرات، فهم يركزون على مؤشر الرقم بعيداً عن التعمّق في الآليات وتسلسلها، لكن ذلك الابتعاد لا يشي بضعف أو قلة الحلول، بل بطريقة ترتيب الأولويات، إذ دلّل اجتماع الرفيق الأسد يوم السبت مع اساتذة الاقتصاد البعثيين على ذلك، وشكل ذلك الاجتماع ما يشبه نقلة نحو عتبة أو مرحلة تالية بعد الإطمئنان على سير ما قبلها من مستجدات بمنتهى الديمقراطية وبصفر مشكلات، وجرى الدخول بعمق في غمار الملف الاقتصادي والمعيشي ومن أوسع الأبواب، كما تضمنت التساؤلات والاستفسارات خلال الاجتماع طروحاً جريئةً شكلت مجموعات متعدّدة كل منها له طريقته وآلياته المتباينة، حتى أن بعضها ذهب في طرح جدوى الاستمرار في الاشتراكية كمنهج اقتصادي، وإلغاء ملف الدعم كحلول لما تمرّ به البلاد.

لكن الأمين العام أكد في إجاباته على إبقاء الدعم كأولوية، موضحاً أن ما يحتاج لإعادة النظر هو التوجيه لا الدعم ذاته، ومبيناً أن تقديم الدعم للفقير زاد في إفقاره وزاد الفساد وقوّض التنمية، حيث دعا إلى طرق جديدة ناجعة في وضع الدعم ضمن الاقتصاد لا العمل الخيري أو الاعتقاد الإيديولوجي، فالدعم ربما يكون عن طريق حماية الصناعة أو التجارة أو بمدّ قطاع معين بما يحتاجه لتحقيق النمو. كذلك أكد الرفيق الأسد على الثبات على النهج الاشتراكي، موضحاً أن ما يحتاج التبديل هو التطبيق لا الاشتراكية بحدّ ذاتها، حيث كان قد أكد سابقاً خلال لقائه من أحد الصحافيين الروس مؤخراً أن التجربة الاشتراكية لم تنجح في الاتحاد السوفييتي، بينما هي ذاتها نقلت الصين نحو ثاني اقتصاد في العالم. وهذا بالطبع يقودنا للتمعّن بخطوات قادمة تصحح التجربة الاقتصادية السورية بعيداً عن استيراد تجارب معلبة براقة، وضمن ثوابتنا لإحداث التنمية على جميع الصعد بعد تصحيح الوظائف في جعل تحديد السياسات من قبل البعث، وإعادة التنفيذ إلى الحكومة.

بشار محي الدين المحمد