إلهام جبور وجمالية الإيقاع اللوني والزخرفي
طرطوس- هويدا محمد مصطفى
لا تخبو رغبة الفنانة التشكيلية إلهام جبور بإنتاج لوحات فنية تتنوّع بين التشخيص والتجريد الزخرفي، حتى إنها تقترب في أكثريتها من أجواء المنمنمات، بكثافة عناصرها المستمدة من الواقع والتراث، في حين نراها تجسّد ألوان الزهور والورود في لوحات أخرى باحتفالية وغنائية بصرية لافتة، أما معرضها الذي أقامته العام الماضي، في ثقافي أبو رمانة، بدمشق، فشكل امتداداً لمعارضها الفردية العديدة السابقة التي تجاوز عددها الـ17، إضافة إلى مشاركاتها في العديد من المعارض الجماعية الرسمية والخاصة، والتي قدمت فيها المرأة والطيور والزهور وأجواء الطبيعة وأقواس وقباب المدن القديمة برؤى رمزية وتعبيرية وتجريدية، وهي تجسّد المرأة بزيها الشعبي، وتقدم حواراً بارزاً مع الرموز المختلفة، كما تركز على إظهار الطيور والفراشات في بعض لوحاتها وفضاءاتها، إلى جانب لوحاتها التعبيرية الأكثر عفوية وتلقائية في معالجة الوجوه والعناصر الإنسانية والأقل دقة ونمنمة وزخرفية هندسية.
واللافت في أعمال جبور تلك العفوية التي تتحرك فيها الخطوط والألوان، والتي غالباً ما تجعل الرموز والأشكال تظهر بطريقة فنية قديمة وحديثة في آن واحد، وفي حركة ألوانها وخطوطها تبقى مشدودة إلى الداخل، مع محافظتها على خصوصية تعبيرية تتأتى من منهجها أو من طريقتها الخاصة في معالجة المرأة العربية والأشكال المختلفة، ومن عدم تقيدها بالتناظر الهندسي الموجود في الزخرفة القديمة، إنما تقدمها بإحساسها، وفي اتجاه عصري متحرر.
ومن خلال معارضها الفردية والمشتركة، منذ مطلع التسعينات، استطاعت جبور قطف جمالية الإيقاع اللوني الخاص، الذي يطلّ من أشكال الزخارف العفوية المنسابة طراوة وجمالاً وشاعرية، في خطوات الوصول إلى اتجاه تشكيلي متنوع، يعطي لوحاتها حيوية شعرية وغنائية ووجدانية.
لتفسير العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين الماضي والحاضر، في لوحاتها التراثية المتجدّدة، والعازفة على أوتار المشاعر، كان لنا معها حوار حول هواجسها وتطلعاتها الفنية والثقافية.
عن بداية حكايتها مع الرسم تقول جبور: “شعرت بموهبتي في الصف السادس وبداية مرحلة الدراسة الإعدادية، عندما طلبت المعلمة أن نرسم وجه عجوز، ورسمت اللوحة بألوان الباستيل من دون استعمال قلم الرصاص، حينها اندهشت المعلمة ولم تصدق أنني رسمتها وأخبرت مديرة المدرسة فخصّصت لي غرفة وأمّنت لي كل أدوات الرسم ومستلزماته، وبدأت أرسم، وشاركت في المعرض الذي أقيم لكلّ مدارس حلب بسوق الإنتاج الصناعي والزراعي، وفي كل المعارض الذي تلاه، أما المعرض الثالث فكنت في الصف الثامن، وحينها تفاجأت بأن الرئيس جمال عبد الناصر افتتح الظاهرة الاقتصادية، أي سوق الإنتاج الصناعي والزراعي، وعندما وصل إلى معرض مدرستي شرحت له عن بعض اللوحات، فسلّم عليّ مرة أخرى وضمني إلى جانبه والمصورون يلتقطون الصور التي انتشرت في كل الصحف والمجلات، وكانت سعادتي لا توصف، ومدّتني بالثقة والقوة والشهرة والأمل، إنها محطة فارقة في حياتي لن أنساها أبداً”.
وعن لوحاتها التي تميّزت بجوها الزخرفي ونظرتها إلى التراث الشعبي تجيب بالقول: “يهمني التراث الشعبي، وأنا أرسم منمنماتي بالفطرة والإحساس، قوس يجرّ قوساً وخط يجرّ خط العمل كان ولا يزال ينساب بشفافية وكأنه يشكل نفسه ومن مخزوني للزخرفة في كل العالم المطبوع في ذاكرتي تتشكل لوحتي لأنني تأثرت بالزخرفة الأوروبية أيضاً دقيقة وأخاذة”.
شاركت جبور بعدد من المعارض التكريمية، وهي برأيها تعبير عن احترام الفنانين الكبار والوفاء والاعتراف بمسيرتهم الطويلة التي صبّوا فيها كل جهودهم وإمكانياتها سنوات طويلة.