البعث أونلاينسلايد الجريدةصحيفة البعثكلمة البعث

في الحوار مع الرفاق أساتذة الاقتصاد… الهاجس: المجتمع والدولة

د. عبد اللطيف عمران   

لا يقل الحوار الاقتصادي أهمية عن الحوار السياسي والتنظيمي، بل قد يتقدمه أهمية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها سورية حالياً. ورغم أن أي حوار في هذا المنحى سرعان ما يذهب صوب الأوضاع المعيشية الضاغطة التي تعاني منها شرائح واسعة من أبناء شعبنا إلّا أن من المهم ألّا يغيب عن الأذهان أن الحصار الاقتصادي والعقوبات الغربية إنما يستهدفان كل السوريين بدون استثناء، وأن هذا الاستهداف “الشامل” استراتيجية مخطط لها بعناية على أمل إبقاء الأوضاع في سورية معلقة بانتظار تحصيل ما لم يمكن تحصيله عبر الإرهاب ومختلف أشكال الضغوط السياسية.
كل السوريين – الشرفاء بالطبع – يعانون.. الفلاح والعامل والموظف والمنتج الحقيقي وصاحب المنشأة وأرباب العمل الوطنيين الذين استهدفت الحرب الصهيوأطلسية الإخوانية مصانعهم وسرقتها ونقلتها إلى خارج سورية، أو دمرتها من خلال مرتزقتها عامدة متعمدة، لتترك الكثيرين منهم على مقاعد الإفلاس أو الإغلاق أو البطالة.. وكل هؤلاء لا بد أن يكون لهم صوتهم في الحوار والقرار اللذين سنصنعهما معاً بإرادتنا وعزيمتنا كما حمينا سورية طوال سنوات الحرب وحافظنا على وجودها بغيرتنا الوطنية وتمسكنا بهويتنا.
ولكن من الضروري الانتباه إلى أن الحوار الاقتصادي لا يعني الحديث في الوضع المعيشي وحده، إنه يتجاوز ذلك لطرح الخيارات الاقتصادية المستقبلية وبناء دولة ما بعد الحرب التي ينبغي أن تزجّ بسورية “المرهقة”.. ولكن المنتصرة.. في ورشة عمل عملاقة تجعل منها أنموذجاً إقليمياً للعدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي والمكانة السياسية الرفيعة.
فكان من الطبيعي والمهم أن يبدأ الرفيق الدكتور بشار الأسد الأمين العام للحزب حواره مع الرفاق أساتذة الاقتصاد، في مختلف جامعات القطر، ومن مختلف الاختصاصات، وفي موضوعات ساخنة وإشكالية، ببيان موقف سيادته الشخصي، والموقف العام من ظاهرة الحوار باعتباره نقيضاً للتخلّف والتطرّف والعنف، هذا البيان أضفى على الجلسة التي دامت ثلاث ساعات ألواناً من الشفافية، والصراحة والأريحية، إضافة إلى التنوّع والدقة.
وقبيل لقائهم الرفيق الأمين العام للحزب ظهر السبت 30 آذار، كان الرفاق الأساتذة صرفوا اهتمامهم طيلة أسابيع في البحث والإجابة عن أسئلة محددة ودقيقة فيما يهم المواطن والوطن، المجتمع والحزب والسلطة… الخ من الطرح الاقتصادي، وخاضوا حواراً داخلياً مركّزاً وشاقاً يوم الجمعة 29 آذار لمدة ست ساعات متواصلة انتهت قبيل آذان الإفطار بدقائق لتستأنف صباح السبت لمدة ثلاث ساعات متواصلة قبيل لقاء السيد الرئيس.
في الجلستين التحضيريتين للقاء، وفي الأوراق المقدمة من الأساتذة حضُر الجدّ والإقبال والشعور بالمسؤولية جنباً إلى جنب مع السجال والحِجاج الذي لا يفسد للود قضية في تباين للآراء واجتهاد في الإجابة وصعوبة للوصول إلى التوافق (الذي نجد صورته وصداه في عدد أمس من صحيفة البعث الصفحات 1-2-3) بين أساتذة كبار ومحترمين ومجتهدين يمثلون طليعة سابقة للطلبة وللرفاق المتفوقين والموفدين للاختصاص في جامعات من أربع جهات الأرض، وقد خاضوا في مسيرتهم الأكاديمية مستلزمات الترفيع والتميز وصولاً إلى الأستذة، في ظل هذا التحضير الأسبق والسابق، كان التتويج بلقاء الرفيق الأمين العام والحوار مع سيادته.
بدأ الحوار بمقدمة افتتح بها الرفيق الأمين العام الجلسة، ومن أول عبارة في كلمة الافتتاح إلى الختام كان الحضور يستمعون إلى رأي مصاغ ببنية تعبيرية هي أقرب ما تكون إلى (المقولات) بالمنطق الأرسطي، بعيداً عن الـ (كليشيهات) السائدة بالمفهوم الشعبي، ومن هذه المقولات:
المجتمع المتخلف هو الذي لا يحاور – نحن غالباً ما نعيش حالة إنكار للمشكلة. الدولة ليست هي تلك التي توظف وتدعم فقط – الانحياز إلى الفقراء هذا ما تعلنه أي حكومة أو حزب – طريقة الدعم أكبر بيئة مناسبة للفساد – وضعنا استراتيجيات على ورق وبقيت عليه – نظام الحوافز لا يجيب على الشيء الذي يحفّزه – من لا يتقن انتقاد السياسات ينتقد الأشخاص، هل فعلاً مؤسسة البعث قادرة على التفاعل الإيجابي مع هكذا حوار… الخ.
ومن الواضح أن هكذا مقولات تكوّن ميداناً واسعاً للحوار، وبخاصة حين تبنى على نقد موضوعي، وبنّاء للسياسات، وتنأى عن نقد الأشخاص، فهي تنطلق من الأصول العلمية للمراجعة النقدية الواعدة والتي هي من أسس البناء المعنوي والمادي السليم بل من مستلزماته المستمرة.
في هذا اللقاء قدّم الرفاق الأساتذة طروحات مهمة جداً في: دور الدولة الاقتصادي والخدمي ودور المواطن، وفي البحث عن إقرار النموذج الاشتراكي الأفضل، وهل يعكس وقوف البعث إلى جانب الكادحين تناقضاً بين الطبقات الاجتماعية؟ وهل سياسة الدعم هذه من الدولة مفيدة؟ وكيف يمكن التكامل بين القطاعين العام والخاص في الشق الاقتصادي؟… الخ.
لا شك أننا كرفاق وأساتذة، وقد اجتهدنا في التفاعل مع الأسئلة الموزّعة مسبقاً، وسررنا بلقاء يومين جمعنا أساتذةً من جامعات القطر وجهاً لوجه بلقاء لم يسبق له أن حصل بما فيه من تعارف وتوافق وتباين، وغير قليل من التعب والإرهاق والتحضير، لا شك صرنا على يقين من أن رفيقنا الأمين العام كان بالطرف المقابل في الحال نفسها من التحضير والإجابة والتفاعل، وفي أحايين كثيرة من منعطفات الحوار وللحق والواقع كنّا نقول: (ما أعطينا سيادته شيئاً جديداً).