اقتصادصحيفة البعث

ليس كل “قديم” غير مجد..!؟ 

قسيم دحدل 

لا يزال ارتفاع التضخم يسدد الصفعة تلو الأخرى على وجوهنا، مذكرا إيانا بأن أفكار السياسة الاقتصادية التي توافق عليها كثيرون تبين خطؤها وتحتاج إلى التغيير..

ومن حسن الحظ أن الأفكار “الجديدة” التي نحتاجها خضعت لعديد من التجارب، وترقد الآن حبيسة الرفوف، فالتضخم يعلمنا أن العرض وليس الطلب، هو ما يقيد الاقتصاديات، وأن الاقتراض الحكومي محدود، وأن التضخم ينشأ عندما يتجاوز الطلب الكلي العرض الكلي. وهذا الرأي لا يقتصر علينا فقط، بل هو عالمي وفق ما طالعنا به – حديثاً – عدد من الخبراء الاقتصاديين..

بناء عليه، يمكن القول إن نمو الاقتصاد محدود العرض يتطلب سياسات تركز على العرض، وليس دفعات تنشيطية، خاصة بعد أن أصبحت “الوظائف” في الوقت الحالي، على سبيل المثال، تكلفة لا ميزة، ومع بلوغ معدل البطالة مبلغه الحرج، أصبح كل عامل في مشروع مصطنع لا يقوم بدور أكثر أهمية عن نظيره العاطل، وهذه وغيرها تحولات قيمية، فكرية واقتصادية ومادية، يجب أن تؤخذ بكثير من الحسبان أثناء العمل على تحقيق النمو الاقتصادي..!

ولا شك أننا نعاني من احتياجنا إلى بنية تحتية عامة، ولكن تكلفتها الباهظة باتت من قبيل “الإسراف” الذي لا يسعنا تحمله بعد الآن، وكذلك من وجود التعرفة الجمركية التي تضطرنا إلى دفع مبلغ مبالغ فيها، مقابل بنود يمكن للبلدان الأجنبية توفيرها بصورة أفضل، وهذا ليس إلا عبئا على الاقتصاد، ومن السياسات التي تركز على مسألة “من يحصل على ماذا”، بينما عليها أن تركز الآن على الحوافز التي تعد أساس النمو.

ولأن المثبت يشدد وينبه إلى أن الكساد هو السرطان الماكر الذي ينهش جسد الاقتصاد بهدوء حاليا، يصبح إحياء النمو على المدى الطويل فوق أي سياسة، ووحدها السياسات الموجهة لتعزيز العرض والكفاءة والإنتاجية والحوافز هي التي يمكنها إحياء النمو على المدى الطويل.

ربما تبدو هذه الأفكار قديمة.. لا بأس، لكن تطور علم الاقتصاد لم ينشأ قط عمن وعظوا الآخرين بإضافة مكونات جديدة إلى صندوق الأفكار الاقتصادية، على أمل الخروج بوصفة قابلة للهضم، بل دائما ما كان تطور الفكر الاقتصادي نابعا عن إجابات تم التوصل إليها بعد صبر طويل والتحقق من صحتها عن طريق التجربة. إجابات تبسط الحقائق في صورة ملاحظات عملية حول الأسباب والآثار.

ومع ذلك لا يزال مجال صنع السياسات الاقتصادية، يعاني من وجود عديد المثقفين الذين يسارعون إلى المطالبة بإنفاق المليارات وتدخلات لا حصر لها في شؤون المواطنين، بناء على سيل من الأفكار الجديدة نصف المطهية، في الوقت الذي ينبغي فيه أن تعتمد السياسات الاقتصادية على مفاهيم مجربة.

وعندما يحاول الاقتصاديون تقديم أفكار استجابة لمطالبات سياسية بالتحديث..، فإنهم يخرجون علينا بأفكار اقتصادية رديئة وسياسات رديئة. وما يبدو قديما لنا قد يكون حديثا أيضا. فأفكار آدم سميث التي صاغها منذ 250 عاما لا تزال جديدة بشكل عام.

Qassim1965@gmail.com