البعث في ذكرى تأسيسه.. حارس أمين للدولة والمجتمع
د.معن منيف سليمان
يعدّ يوم السابع من نيسان عام 1947، الذي صدر فيه البيان الختامي لأعمال المؤتمر التأسيسي الأول لحزب البعث العربي الاشتراكي منعطفاً كبيراً في تاريخ سورية المعاصر، حيث وضعت الأسس والقواعد في تكوين حركة سياسية شعبية منظمة تناضل في سبيل تحقيق أهداف الأمة العربية وتلبية حاجاتها، وتكون حارساً أميناً للدولة والمجتمع.
نشأ حزب البعث في مرحلة ما بين الحربين العالميتين، في ظلّ الاستعمار الفرنسي لسورية (1920 ـ 1946)، وبعد أن أخفق النضال الوطني في جميع بلدان الوطن العربي في تحقيق الاستقلال الوطني لأيّ بلدٍ عربي في مواجهة الاستعمار القديم البريطاني ـ الفرنسي، وكان استمراراً لحركة القومية العربية في نضالها ضدّ الاحتلال العثماني ومن بعده الاستعمار الغربي.
وفي ذلك الوقت، أخفقت الأحزاب السياسية في سورية بالقيام بدور فعّال في النضال الوطني ضدّ المستعمر الفرنسي، بسبب خلافاتها وتناحرها على السلطة وعجزها عن مقاومة الاحتلال، حيث قدّمت مصالحها الخاصّة على المصلحة الوطنية العليا، ما أفقدها الدعم الجماهيري، حيث رفضت الجماهير الشعبية هذه الأحزاب ورفضت أيديولوجيتها التي تتعارض مع طموحاته في التحرير والاستقلال.
وفي ظلّ هذه الظروف التاريخية ظهر حزب البعث باسم “حركة الإحياء العربي”، ليختار بعد مدّة قصيرة اسم “حركة البعث العربي”، ويضاف إليه في مرحلة الخمسينيات اسم “حزب البعث العربي الاشتراكي”، ورفع شعاره الأساسي (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، وطرح الخطوط العامة لفكره السياسي الذي يلبّي آمال الجماهير ويحقق تطلعاتها، وقد شرع في النضال السياسي منذ ذلك الوقت.
واستطاع حزب البعث الذي التفّت حوله فئات واعية للمسألة الوطنية والقومية، من مثقفين وعمّال وفلاحين أن يشغل دوراً حاسماً ومهمّاً في تعبئة الجماهير في سورية لتحقيق أهدافها الوطنية في الاستقلال والتحرّر من الاحتلال الفرنسي بين 1943 ـ 1945، التي انتهت بجلاء المحتلّ الفرنسي عن سورية نهائياً في 17 نيسان 1946.
ولقد أتاح جلاء المحتلّ الفرنسي لحزب البعث أن يعقد مؤتمره التأسيسي الأول في دمشق ما بين 4 ـ 6 نيسان عام 1947، حيث صاغ أهدافه الأساسيّة في الوحدة والحرية والاشتراكية، وحدّد الدستور، والأسس التنظيمية، والنظام الداخلي.
وخلال المؤتمر التأسيسي الأول حدّد الحزب موقفه من مسألة الحرية فأقرّ حرية الفرد وعدّها شرطاً أساساً لحرية الأمّة وازدهارها، ومن هذا المنطلق كافح الحزب الدكتاتورية وحاربها بلا هوادة وخاصّة في مرحلة الخمسينيات من تاريخ قطرنا.
كذلك أقرّ مبدأ الاشتراكية التي تعترف بحق التملّك الفردي من جهة، وتحدّد تضخم الملكية من جهة أخرى، وأدرك أهمية الاشتراكية التي باتت تعني تأمين العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي بين جميع شرائح المجتمع.
وتعدّ الوحدة العربية من أهم أهداف حزب البعث ولا سيما أنّ مقوّمات الوحدة موجودة تلقائياً، إذ يعدّ التاريخ المشترك ووحدة اللغة أبرز مقوّماتها الموضوعية.
وخلال تلك المرحلة وضع الحزب استراتيجية جديدة تصون حقوق الأمة العربية وتحمي أبناءها، وشغل دوراً مهمّاً في صياغة الفكر القومي واستنهاض الشعور القومي والوطني العربي في مواجهة القوى الاستعمارية، فكانت ثورة آذار عام 1963، الحدث الأبرز حيث تولى قيادة الدولة والمجتمع، وشرع في تحويل شعاراته إلى برامج عمل تحقق تطلعات الجماهير، وقد نجح في تبديل الصورة في المنطقة العربية وألبسها الثوب العربي الشعبي، ما أثار هلع المستعمرين وأتباعهم فشرعوا في عرقلة مسيرته النضالية ومقاومة أهدافه بشتّى الطرق والوسائل.
ولهذا، فإنّ عدم إنجاز أهداف البعث القومية لا يعود إلى خطأ أو إخفاق يتعلّق برفض الشعب العربي لها، وإنّما لأنّها شكّلت خطراً على أعداء الأمّة الذين استشعروا خطر هذا التنظيم على مشاريع التجزئة والقطرية الضيقة التي يخطّطون لها في وطننا العربي لتسهيل احتلاله وسرقة ثرواته.
فكان لحركة الإخوان المسلمين دور كبير في عرقلة أيّ مشروع قومي عربي، حيث وقف عائقاً ضدّ انتشار الفكر القومي تدعمه قوى استعمارية كبرى على رأسها بريطانيا ثم الولايات المتحدة، كما أحبطت الرجعية العربية مشروع تطوير وتحديث ميثاق الجامعة العربية الذي تقدّمت به سورية في ثمانينيات القرن الماضي.
وشغلت بريطانيا دوراً مركزياً في عرقلة جهود سورية في إقامة جامعة عربية بحكومة عربية لا مركزية، وأحبطت كل مساعيها في سبيل الوحدة العربية، وتدخّلت في صياغة ميثاق جامعة الدول العربية الحالي، وفرضته بديلاً من ميثاق الإسكندرية الذي وضعته سورية بالاشتراك مع عدّة دول عربية.
ولم تألُ الدول الاستعمارية جهداً في مواجهة أهداف البعث في الوحدة العربية السياسية، وما زالت تعمل حتّى اليوم بكل طاقتها وعبر أدواتها وأذرعها من التنظيمات الإرهابية للحيلولة دون إنجاز أيّ مشروع وحدوي عربي.
ومنذ تأسيس الحزب في أربعينيات القرن الماضي لا يزال البعثيّون هم الفئة الحزبية الأكبر التي قدّمت التضحيات العظيمة، فخلال العقد المنصرم خاضت سورية حرباً ضروساً ولا تزال حتّى اليوم مع قوى استعمارية كبرى وأدواتها من التنظيمات الإرهابية التي أرادت تدمير سورية وتقسيمها إلى دويلات طائفية خاضعة لقوى الاستكبار العالمية.
ولقد بنى حزب البعث دولة المؤسسات التي استطاعت أن تصمد طوال سنوات الحرب الكونية على سورية، وحقّق إنجازاتٍ عظيمة تخطّت حدود المعجزات، وتمكّن بفضل قيادته الحكيمة المتمثلة بالسيد الرئيس بشار الأسد الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي أن يحرّر معظم المناطق التي خرجت من سيطرة الدولة ويعيدها إلى حضن الوطن، على أمل إعادة جميع المناطق دون استثناء في القريب العاجل.
واليوم، يخوض حزبنا العظيم انتخاباتٍ حزبية داخلية يعوّل عليها في إعادة بناء اللحمة الوطنية التي تصدّعت بفعل الحرب التي كان من أبرز أهدافها، ضرب الوحدة الوطنية التي ناضل الحزب من أجلها منذ تأسيسه، ووضع الخطط والبرامج التي تكفل القضاء على مظاهر انتشار الفساد والمحسوبيّات، والارتقاء بأدائه بما يحقّق أهداف الجماهير الشعبية كحارس أمين للدولة والمجتمع.