“البعث” في عيده.. استعدادات حثيثة لمرحلة مقبلة
أحمد حسن
كما في كل مرة، عاد السابع من نيسان – عيد ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي – ليجد الحزب يرتقي ذُرى جديدة في مسار تفاعله المستمر مع التحديات المختلفة، الآنية والمستقبلية، كفاعل إيجابي واعٍ سواء في توجّهه لتخفيف الأضرار أو تعزيز المكاسب في إطار سعيه الدائم، تنظيمياً وفكرياً، للربط الخلّاق بين الثوابت الاستراتيجية والمتغيّرات التكتيكية، بما يفرضه عليه موقعه التاريخي والوطني كقائد للمسيرة نحو شاطئ الأمان في خضم عالم تتلاطم قواه وتضطرب على نحو غير مسبوق منذ عشرات السنين.
والحال، فإن الحزب العريق الذي نشأ في خضمّ عالم الحرب العالمية الثانية ونداءات الاستقلال الوطني انبثق، كما قال بيان القيادة المركزية في هذه المناسبة، “من لدن الكفاح الشعبي ضد الاحتلال الفرنسي وتكوّن في صفوفه، مؤكداً بذلك طبيعته الجماهيرية والتزامه الدائم بقضايا الشعب”، واشتد عوده مع مواجهته المستمرة لتبعات وارتدادات هذه الأحداث ليخرج منها، في كل مرة، أقوى وأكثر تجذّراً في حياة الأمة مما كان من قبل، مقدّماً أمثولة كبرى في الالتزام بـ “حركة الشعب وحركة الواقع”، وهذا ما “جعله في كل المراحل قادراً على تطوير فكره وسلوكه تماشياً مع تطور الواقع على الأرض، وملتزماً بالمبادئ المعروفة، ومتجنباً الجمود الفكري والتصلب العقائدي”، وإذا كان هذا دأبه في محطات سابقة مرت بها البلاد منذ ثورة آذار وما تلاها في الحركة التصحيحية، فذلك ما شكّل ذخيرته الأهم حين انخرط في حرب الاستقلال الثاني التي تخوضها البلاد هذه الأيام.
بهذا المعنى، فإن حراك الحزب اليوم يتجاوز كونه شأناً حزبياً داخلياً ليرقى إلى كونه أحد الأسلحة التي تخوض بها البلاد حربها ذات المستويات المتعدّدة، والتي تشكل الأيديولوجيا أحد أوجهها المهمة، فالعالم – الحلف الغربي الاستعماري تحديداً – الذي طالما نادى، في المرحلة الماضية، بانحطاط الإيديولوجيات وانحسار دورها في الصراع، هو ذاته الذي كان يخفي، عامداً ولأهداف استعمارية بحتة، تبنّيه لإيديولوجيا فاجرة نشأت عن “تحالف مدنس” بين قراءة خاطئة للدين والنيوليبرالية، بهدف واحد: السيطرة على العالم عبر تفتيته وإشاعة الفوضى في أرجائه بهدف الاستمرار في نهب ثرواته والسيطرة على مقدراته.
هنا تحديداً نفهم قيام الحزب بإعادة التركيز على المسائل التنظيمية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، وتحديداً على يد الرفيق الأمين العام بشار الأسد، الذي يقود، ومنذ عام 2000، عملية مواءمة الحزب مع تطورات الواقع المحلي والدولي ليثبّت له دوره المفصلي في مختلف القضايا الوطنية، وأهمها في المرحلة المقبلة تلك المتعلّقة بالنهوض الاقتصادي، والاستعداد لمرحلة إعادة الإعمار، وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين كونها، إلى جانب حرب تحرير الأرض، تقبع على رأس التحديات الراهنة والقادمة التي تواجهنا في ظل الظروف الضاغطة التي فرضتها الحرب على سورية وتداعيات الحصار والعقوبات الغربية.
وإذا كان “البعث”، بسبب من نشأته وطبيعة جمهوره والمنتسبين إليه، وخياراته المعروفة، من أوائل الأحزاب التي أولت المسألة الاجتماعية الاقتصادية الاهتمام اللازم، وتصدرت المدافعين عنها، سواءً في الشارع عبر النضال اليومي، أو عندما وصل إلى السلطة، فإن دوره اليوم أصبح أكثر أهمية “تجاه مصالح مختلف الشرائح الاجتماعية، والتزامه بالوقوف إلى جانب الفقراء والكادحين، وضرورة التوفيق بين مختلف المصالح الاجتماعية في إطار دولة القانون وبمعزل عن أية انتماءات طبقية”.
خلاصة القول، يقول الرفيق الأمين العام إن “التحدي الأكبر في عملية بناء مؤسسات الدولة “يكمن بشكل أساسي في القدرة على تغيير منظومات العمل القديمة واستبدالها بمنظومات عمل جديدة ومتطورة تلائم المرحلة الحالية وظروفها، وتفعيل المؤسسات وتحديد دورها بوضوح، بما يحقق تحويلها جميعاً إلى مؤسسات فاعلة وأكثر قوة”، وهذا الكلام ينطبق أيضاً على كل المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك هو مغزى حراك الحزب، التنظيمي والفكري، وهو يجتاز السنة السابعة والسبعين من عمره المديد.