القطيعة المعرفية والحداثة بين العقل الغربي والعقل العربي
نجوى صليبه
يقول الدكتور غسان بديع السّيّد في مقدمة كتابه “القطيعة المعرفيّة والحداثة بين العقل الغربيّ والعقل العربيّ” إنّ المفكّرين المنخرطين في العمل لإخراج الأمّة العربية من حالة العطالة الفكريّة التي تعيشها، على اختلاف توجّهاتهم، ينطلقون من إحساس عميق بالذّنب، ويستخدمون سلاح الكلمة التي تكون حادّة أحياناً، أو في مكانها أحياناً أخرى، لكن الغاية هي واحدة: النهوض بالأمّة.
ويبيّن السّيد أنّ الفكرة الأساسية التي يبني عليها كتابه هي أنّ الوضع العربي لا يمكن أن يستمر بهذا الشّكل، والعيش خارج التّاريخ، لأنّ ذلك يعمّق المأساة التي تعيشها الشّعوب العربية، وتزداد غربتها عن عالم اليوم، وأنّ المحاولات الكثيرة لإيجاد طريق للخروج من عنق الزّجاجة لم توصل إلى النّتيجة المرجوّة لأنّ الواقع أكثر تعيقداً ممّا يُتصوّر.
ويقسّم السّيّد كتابه إلى ثلاثة فصول، ويخصص الأوّل منها للحديث عن التّجربة الغربية في إطلاق الحداثة، وكيف استطاع العقل الغربي إطلاق حداثته بالاعتماد على عوامل ذاتية بعد أن قام بقطيتعه الكبرى مع الماضي، بالاعتماد على العلم والثّروة والتّقنية، ومن ثمّ كيف انقلب هذا العقل على مفهومات الحداثة للاعتقاد بأن العقل الذي قدّسته الحداثة أصبح متعالياً على النّقد، يقول: “وهذه ميزة العقل الغربي الذي لم يتوقّف عن التّحرّك بحيوية إلى الأمام، متنقلاً من مرحلة إلى أخرى يراها أكثر تطوّراً”.
“لماذا لم ينجز العقل العربي حداثته؟” عنوان الفصل الثّاني من الكتاب، وفيه يناقش الكاتب مشروع محمد عابد الجابري في كتبه التي تحمل عنواناً مهماً هو “نقد العقل العربي”، والنّظم المعرفية التي يرى الجابري أنّها أسهمت بتكوين العقل العربيّ في مرحلة التّدوين في القرن الثّاني للهجرة وتحكّمت به وهي ثلاثة أنظمة: البياني والعرفاني والبرهاني.
أمّا الفصل الثّالث، فهو للحديث عن جورج طرابيشي وتحليله للخطاب العربي الحديث، وردّه على الجابري، باستخدام المنهج النّفسي في تفكيك المقولات المتحكّمة بالخطاب العربيّ، وهو كما يبيّن السّيّد مأخوذ من كتابه “جورج طرابيشي رجل الفكر والتّنوير” لأنّه يندرج ضمن التّوجّه العام للكتاب ويخدم موضوعه.
ويختم السّيّد دراسته بالقول: “ربّما كان المجتمع العربي قابلاً لاستيعاب أفكار الحداثة والتّطّور في بداية القرن العشرين، أكثر ممّا هي عليه الحال في بداية القرن الواحد والعشرين.. تفاقمت المشكلات وأصبحت عصية على الحلّ، والفجوة بيننا وبين الغرب اتّسعت لأنّه يسير نحو المستقبل ونحن نعود إلى الخلف.. لا يمكن للعقل العربي أن ينجز حداثته وهو مشدود إلى الماضي، وتجربة مئات القرون تثبت ذلك، ويبدو أنّ هناك من له مصلحة في استمرار الحال على ما هو عليه من التّخلّف والجهل، لأنّ ذلك يخدم مصلحة فئة قليلة تريد أن تحافظ على هيمنتها، وليس هناك أفضل من بيئة التّخلّف والجهل لاستمرار الهيمنة، ولهذا تقع علينا جميعاً مسؤولية قول كلمة تخدم قضية الحداثة في مجتمعنا”.
يذكر أنّ الكتاب يقع في 248 صفحة وصادر عن الهيئة العامّة السّوريّة للكتاب 2024.