ذكرى “التأسيس” ومشاركة الأجيال
لا شكّ أن ذكرى تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي لهذا العام تحمل في طياتها نبضاً جديداً مختلفاً عن كل عام، يظهر عبر الحراكات التي بدأت منذ نهاية العام الماضي وحتى اليوم، والتي تأخذ طابعاً جديداً وغير مسبوقاً، يرسم ملامح مرحلة جديدة ومحورية في حياة “البعث” وسورية في آن، حيث تتكلل بالأمل وبذل الجهود رغم الخطر المحدق الذي يتهدد البلاد كدولة تستعيد كل ثقلها ودورها الإقليمي والدولي الذي لطالما حلمت ماكينة الغرب الإعلامية والعسكرية والإرهابية في “إطفائه” دون جدوى.
إن المراقب النخبوي وحتى العادي يلحظ من خلال تتبع المشهد الداخلي والحزبي لقاءات مكثفة ابتدأها الأمين العام لحزب البعث، الرفيق بشار الأسد لوضع النقاط على الحروف لمرحلة قادمة لا تقتصر على تطوير وإصلاح المؤسسة الحزبية، لكنها في نفس الوقت تنطلق من ذلك عبر استمداد خطوطها العريضة وثوابتها المنهجية من إيديولوجية “البعث” ونظرته الثابتة لما يجرى على مستوى الداخل والعالم. ومن الملاحظ أن اللقاءات لم تقتصر على الجانب الحزبي، بل توسعت نحو المفكرين الحزبيين وأساتذة الاقتصاد البعثيين، لكن المسألة الأهم أنه، بالتوازي مع ذلك كله، أن الرفيق الأسد لم يقلل من شأن أي فئات أخرى، بل على العكس أعطاها اهتماماً غير مسبوق، ونوه إلى دورها الأساسي مهما بدت “بعيدة” عن المشهد، فكما أولى الأمين العام جل اهتمامه لبناء جسر بين المؤسسة الحزبية وجيل الشباب داعياً إلى تصحيح نقاط الجفاء والخلاف بينهم وبين الجيل الأكبر، ها هو اليوم يعود لبلورة دور ذلك الجيل الأكبر الذي أوشك على التقاعد – حيث التقى المعلمين الذين أمضواً عقوداً في التدريس، أو الذين تقاعدوا – الضباط . وهذه اللقاءات تؤشر إلى عمق نهضوي غير مسبوق على الصعيدين الاجتماعي والحزبي معاً لسد جميع ثغرات العمل البنيوي، ويدل على أن الأمين العام وجه رسالة بكل حكمة إلى تلك الفئات مفادها بأن التقاعد من العمل الرسمي لا يعني توقف العطاء، بل يقتضي عطاءً أكبر للنهوض بالبلاد بكل حكمة وتنوير.. ويحمل ذلك في طياته التركيز على مسألة أن جيل الشباب مهما أبدع فيحتاج من الوقت الكثير لمراكمة خبراته وتوجيه طاقاته الخلاقة في السياق الصحيح والمطلوب والمتوافق مع الفكر المؤسسي والحزبي والعقائدي للدولة، وهنا يأتي دور الجيل الأكبر.. والضابط الشاب الذي قاد المعارك والعمليات الميدانية لجيشنا العظيم ضد طغاة الأرض في الأمس، هو الآن اليوم بعد تقاعده أمام ساحة جديدة ودور أكبر يتمثل في قيادة المجتمع بالشكل الصحيح وضمن الدور المطلوب منه كعنصر واعٍ وحامل للهم الوطني في كل وقت.
وبالعودة إلى احتفالنا اليوم بالمناسبة العظيمة، فيمكننا القول، ما أشبه اليوم بالأمس، فصحيح أن الحزب تم الإعلان عن شهادة ميلاده في السابع من نيسان عام 1947، لكن فكره ونهجه كان سابقاً على ذلك الإعلان، وهذا المشهد المتسارع اليوم يدلل على ولادة فكر بعثي جديد يبدأ باجتياز مجموعة من الامتحانات والاستحقاقات المقبلة عبر إثبات دوره الفعال فيها على جميع الصعد لبناء “بعث” الغد والانتصار والإنماء وإعادة الإعمار.
بشار محي الدين المحمد