أيام العيد.. الماضي باق في الذاكرة والتقنية الحديثة تستحوذ على المعايدات
دمشق – البعث
كانت الأسواق مكتظة بالناس حتى ساعات متأخرة من الليل، والفرحة مرسومة على وجوه الأطفال ، كانت الأعياد في الماضي لها نكهة خاصة وكانت التحضيرات تبدأ قبل نحو أسبوع لكل عيد، وتتوزع الألعاب في كل مكان.. كانت أجواء رائعة رغم بساطتها، أما اليوم وللأسف لم يبق من هذه المظاهر سوى القشور وفقد العيد بهجته القديمة، حتى الأسواق التجارية لم تعد تشعر بقرب العيد ولا بفرحته، لعل الوضع الاقتصادي الذي نعيشه يلعب دورا في هذا الإطار، وألعاب الأطفال تغيرت وأصبحت التكنولوجيا هي المسيطرة اليوم على عقول الأطفال وبات الكبار والصغار يمضون معظم أوقاتهم أمام الكومبيوتر ويتواصلون من خلال موقع التواصل الاجتماعية، ويعايدون بعضهم عبر الرسائل الهاتفية، أو ما يُعرف اليوم بـ “الواتس آب”، فتقلصت الروابط العائلية، واندثرت كل العادات التي كنا نستقبل بها العيد سابقا.
معظم من التقيناهم من الأهالي يشعرون بالحنين لتلك الأيام التي تهب فيها رياح الأفراح والبهجة، وتبدأ الزيارات والمباركات لبعضهم البعض، فالتغيير الذي نشهده اليوم في ممارسة طقوس العيد يجدونه بلا طعم ولا لون ، فالناس قديماً كانوا يحضرون للمناسبة قبلها بأيام، بالتأهب وذبح الذبائح وجلب الحلوى للأطفال، إلى جانب الاستعداد للفرح وتجهيز مكان يجتمعون فيه ليتبادلوا أطراف الحديث على فناجين القهوة والشاي ، وكان بينهم الشباب في ذلك الحين الذين يأنسون لهذه المجالس، بعكس شباب اليوم الذين يفضلون السهر ليلة العيد في الأسواق والكفتريات ويعاودون للنوم في ساعات متأخرة من الليل غير مبالين بيوم العيد، ذلك كان هو فرح العيد، و أبو سليمان جد لخمسة عشر حفيدا، واحد ممن يحن لتلك الأيام التي كان يذهب فيها قبل أن يحين العيد بأسبوع مع والده إلى الخياط لتفصيل ثوب للعيد وشراء الطواقي، ويتسلمها قبل يومين من العيد مرتبة بالورق، وعندما يتم تأكيد يوم العيد تبدأ التجهيزات الأخيرة، إذ يتم التسلل إلى غرفة الوالد للأخذ من عطوره والرش على الثياب الجديدة، أما الجدة، أم عادل، التي لم تعد تشعر بطعم العيد منذ أن وصل عمرها السابعة عشرة، ومع ذلك لها ذكريات جميلة منذ أيام الطفولة، لا يوجد وجه مقارنة عندها بين العيد في الماضي واليوم، إذ كان همها الوحيد عندما كانت صغيرة هو شراء الملابس الجديدة وجمع (العيدية) والذهاب إلى مدينة الألعاب، لكن اليوم باتت وظيفتها الوحيدة توزيع العيدية بدلاً من أخذها، ومن الأمر الطبيعي أن يمر العيد من دون شراء ملابس جديدة أو الذهاب إلى الملاهي، مضيفة: “اليوم يقتصر العيد عندنا على الزيارات القصيرة إن وجدت، فمنذ أن بلغت سن السابعة عشرة انتهى ما يسمى العيد من حياتي، ولم أعد أشعر بلذته.
كذلك كان لأم سعيد، مدرسة الفلسفة، رأيها في تغير مفهوم العيد بين الماضي والحاضر حيث أن قنوات التواصل الحديثة الموجودة الآن لها دور في إعادة صياغة العلاقات الأسرية، حيث أن عادة زيارة الأهل والأقارب ومعايدتهم كانت تتم بصورة أجمل من الحاضر ما أفقد العيد كثيرا من البهجة والسعادة وأصبح الاختلاف بين عيد الأمس وعيد اليوم واضحا بشكل كبير.
وفي وصف للفوارق بين العيد في الماضي والحاضر، رأت الدكتورة سهام محمد أن الفوارق تظهر لنا بشكل كبير، فاليوم اندثرت كل معالم فرحة العيد، وفي السابق كان الناس ينتظرونه بفارغ الصبر وبلهفة الشوق التي ترتسم على وجوه الرجال والشباب والنساء والأطفال، ولكن لا يمكننا إلقاء اللوم على الجيل الحاضر، فكل عيد له بهجته بأصحابه ومكانهم، ولكل جيل رغباته الخاصة، وليس بالضرورة أن يكون الجيل القديم هو الأفضل أو العكس فالحياة متغيرة، مشيرة إلى أنه من الممكن أن تنضم الأجيال القديمة إلى الحديثة ويصبح هناك تواصل للأجيال وليس انقطاعاً. ولكن من المهم أن يظل للعيد معنى ولو بمعنى مختلف، مؤكدة على ضرورة أن يكون هناك تجديد دائم كي لا تصبح حياتنا روتينية مملة، ناهيك عن أن المقارنة بين الماضي والحاضر هي”مقارنة تعسفية”، فالثقافة مستمرة ومعانيها مستمرة أيضاً، وأواصر التكافل الاجتماعي والتواصل الأسري كانت قوية جدا، يسودها الحب والوئام والمحبة وحب الخير للجميع، فتجد الجميع يسأل عن جيرانه وأقربائه وأصدقائه في أجواء تغمرها الألفة والوئام، عكس ما هم عليه أبناؤنا في هذا الجيل نتيجة تغير ثقافة هذا الجيل الذين غدوا فيه كالغرباء فيما بينهم، إذ أثقلتهم الحياة الحديثة وأبعدتهم عن بعضهم البعض.