دراساتصحيفة البعث

مخاطر تواجه تنمية منطقة القرن الإفريقي

عناية ناصر

إن الوضع الحالي في منطقة القرن الإفريقي غير مريح كالمعتاد، حيث تتميّز بالفوضى والفقر والصراعات الداخلية داخل كل دولة، وقد أضيفت العلاقات المتوترة بين دول المنطقة الآن إلى قائمة الكوارث، فهل هذه الكوارث من صنعهم أم أنه تم تصميمها من خارج المنطقة؟.

لا شك أن هناك عوامل خارجية، ولكن معظم المشكلات لها أبعاد داخلية يتم استغلالها من أيادٍ أجنبية. والمنطقة ليست فريدة من نوعها في هذا الصدد، لأنه يبدو أن العالم كله قد فقد مرساته ولا يبدو أنه في وضع مستقر ومتوازن.

إن الاضطرابات في أوروبا والأمريكتين وآسيا، وعدم احترام المعايير والقواعد الدولية والجشع المتفشي في جميع أنحاء العالم، لا تؤدّي إلا إلى تفاقم الوضع في المنطقة المضطربة بالفعل. فكيف يمكن للمنطقة أن تحقق التنمية المستدامة أو لا تحققها، عندما تبدو الحروب وانعدام الأمن وعدم الاستقرار هي القاعدة وليس الاستثناء؟ وكيف يمكن أن تكون هناك تنمية في منطقة لا تتعاون الدول المكوّنة لها؟ وكيف يمكن حقاً أن يكون هناك تعاون في حين تعمل بعض البلدان على إزعاج وجود بلدان أخرى في المنطقة؟ والنتيجة الطبيعية لمثل هذا الوضع هي الفوضى والتخلف، وبطبيعة الحال، انعدام الأمن الغذائي، وعدم الاستقرار السياسي، وانعدام السلام.

والأمر الأسوأ من ذلك هو أنه من الصعب التنبّؤ بما قد يحدث على مدى السنوات العديدة المقبلة، عندما يبدو أن أساس التنمية قد تم تقويضه، ولا تساعد العلاقات المتدهورة بين إثيوبيا والصومال، أكبر دول القرن الإفريقي الأربع. ومن المؤكد أن مسار التنمية، إن وجد، في المنطقة سوف يتغيّر وستضيع فرص تحقيق أي أهداف تنموية، إذا لم تتراجع المنطقة عن مسارها الحالي.

وعلى الرغم من أن المنطقة كانت تمرّ بمسار تنموي فوضوي، إلا أن دول المنطقة لم تكن على الأقل في صراع مع بعضها في الماضي القريب، وهو ما يبدو أنه هو الحال الآن، وهو ما يؤثر بالطبع سلباً في فرص المنطقة في تحقيق أية تنمية في المستقبل المنظور ما لم يغيّر قادة المنطقة مسارهم. فالنمو الاقتصادي في المنطقة، الذي بدا وكأنه يسير على المسار الصحيح، يتراجع الآن، ومن المحتمل أن يصبح سلبياً إذا لم يتم إنقاذه. ومن شأن الديون الخارجية أن تزيد من تفاقم الأوضاع المالية، وستنخفض الاستثمارات الأجنبية المباشرة. المال جبان ولن يأتي إلى منطقة فيها حروب وصراعات. ربما قد يساعد ذلك فقط مجموعات المغامرين الذين من المحتمل أن يشاركوا في أعمال تجارية ليست جيدة جداً، على أي حال.

تواجه المنطقة المشكلات نفسها المتمثلة في النمو السكاني وارتفاع معدلات البطالة أو نقص العمالة، وبالتالي الهجرة وتفاقم الفقر الناجم بشكل رئيسي عن الصراعات العرقية المستمرة التي تدفع الكثير من الناس عن سبل عيشهم التقليدية المتمثلة في الزراعة أو الأنشطة الرعوية، والظلم وعدم كفاية الإجراءات القانونية وأنظمة الحكم الضعيفة وغير جديرة بالثقة. وقد زاد ذلك من حدة التوترات المتصاعدة بين دول المنطقة التي بدت في الماضي كأنها تهدأ.

إن احتمال التحوّل إلى عمليات ديمقراطية في المنطقة يموت ببطء، ويبدو أن المنطقة تعود إلى أنظمتها الاستبدادية التقليدية مع تركّز السلطة في أيدي رؤساء الحكومات وليس في المؤسسات الحكومية، وهذا من شأنه أن يجرّ المنطقة إلى الوراء لعقود من الزمن.

من جهة أخرى، هناك وجود لعدد كبير جداً في المنطقة من المستشارين سواء من هيئات الأمم المتحدة أم الحكومات الأخرى والمنظمات غير الحكومية الذين يستغلون مشكلات المنطقة. والأمر المثير للدهشة كم عدد المبعوثين الخاصين الموجودين في المنطقة، بالإضافة إلى السفراء التقليديين. ومع ذلك، يبدو أن المنطقة تغرق كل عام في حالة من الفوضى، فهناك الجماعات الإرهابية وغيرها من الجهات الفاعلة، التي تبدو قوية ومؤثرة، ويبدو أنها تُدار من خارج المنطقة بطريقة تعجز الحكومات وكل الأيادي المساعدة على التعامل معها.

غالباً ما يُقال إن التنمية تتوقف عندما يبدأ الصراع، لكن في حالة منطقة دول القرن الإفريقي، يبدو أن التنمية لم تبدأ حقاً، لأنه على مدى الستين إلى السبعين عاماً الماضية، يبدو أنها كانت تعاني من الصراع، وبالتالي لم تحدث أية تنمية إلا في بعض المظاهر العامة للتنمية، ولا تؤدي التوترات المتصاعدة بين دول المنطقة إلا إلى تفاقم الوضع الصعب بالفعل، وهذا يشكل خطراً أكبر على إمكانيات التنمية هناك.