ردعٌ وليس رداً
د. خلف علي المفتاح
لم تخيب الجمهورية الإسلامية الظن فيها والثقة بما يصدر عن مسؤوليها وقادتها وحرسها الثوري من مواقف تجاه العدو الصهيوني وردعه وتحجيمه، بل وتقزيمة أمام قوة وبأس الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي باتت منذ قيام ثورتها، بقيادة الإمام الخميني، وحتى الآن رقماً مهماً في المشهد الدولي وقوة إقليمية فاعلة يحسب لها الجميع ألف حساب، سيما وأنها أعلنت منذ قيامها هويتها الإسلاميةً المستمدة من روح الإسلام وعداءها لقوى الشر ونصرتها للقضية الفلسطينية ودعمها لكل قوى المقاومة للظلم والعدوان والاستكبار العالمي، وهي الثورة التي عرفت بأعدائها قبل اصدقائها، وجسدت القول بالموقف، ما جعلها تحظى باحترام قرى التحرر والحرية.
لقد استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تعزز خطابها السياسي بالقوة الذاتية معتمدة على شعبها وثورتها وإمكانياتها وثرواتها المادية والبشرية، واستثمرت في العقل الوطني، وحققت الاستقلال السياسي والاقتصادي والمعرفي والتقاني، ما منحها قوة الخطاب وتأثيره وسلطته الإيجابية بين مناصريه، إضافة إلى أن الثورة الإسلامية الإيرانية خاصمت الأقوياء لا الضعفاء، ما رتب عليها بناء قوة ردعية بمواجهتهم، وهو ما حصل خلال سنوات المواجهة والتحدي، وكان آخرها ما جرى بالأمس حين أوفت القيادة الإيرانية بما وعدت به وحذرت منه الكيان الصهيوني وأعوانه وأدواته بأنها ستلقن العدو الصهيوني درساً لن ينساه وهو ما حصل بالفعل.
لقد كان للضربة الصاروخية الإيرانية للكيان المحتل نتائج ذات طابع استراتيجي سيؤثر على راهنية الصراع ومستقبله، فهي المرة الأولى التي يتلقى فيها العدو ضربة مباشرة من دولة ذات سيادة، منذ حرب تشرين الأول عام 1973، وتشمل كافة الجغرافيا المحتلة، وهذا فيه كسر لقواعد الاشتباك ونقلة نوعية في حغرافيا الصراع وأبعاده الاستراتيجية من حيث الأطراف، وتكريس وترجمة حقيقية لوحدة الساحات وتكاملها، إضافة إلى توسيع دائرة الصراع من صراع فلسطيني إسرائيلي وعربي إسرائيلي إلى بعده الإسلامي لجهة أن فلسطين والقدس جزء من الجغرافيا الروحية لأبناء الأمة، وأن ذمتهم ستبقى مشغولة – والقول لسماحة السيد على خامنئي المرشد العام للثورة الإسلامية الإيرانية – حتى يتم تحريرها من رجس الصهاينة المجرمين، ولعل عبور الصواريخ الإيرانية من فوق قبة الصخرة والمسجد الأقصى تذكير بذلك، وإنعاش للأمل بتحرير فلسطين الأرض المباركة، إضافة إلى أن الضربة العسكرية أثبتت للعالم أجمع أن هذا الكيان أوهى من خيط العنكبوت، وقابل للهزيمة، وبحاجة للحماية الخارجية، وغدة سرطانية في المنطقة يجب اجتثاثها، وهو كيان مهزوز وجبان يهوى القتل، ولكنه يخشى القتال والمواجهة المباشرة، فيلجأ لأساليب الغدر والضرب عن بعد، وهذا ما ثبت في معارك غزة وجنوب لبنان وسورية.
إن النتائج الاستراتيجية لهذه الضربة الرادعة للكيان الصهيوني، إضافة إلى آثارها النفسية على مستوطنيه وحلفائه، وآثارها المعنوية على أطراف محور المقاومة، وخاصة الشعب الفلسطيني وأهالي غزة وأنصار القضية الفلسطينية في العالم، هي مسألة غاية في الأهمية لا تقل عن النتائج العسكرية والسياسية، وستشكل تحولا في مسار الصراع مع العدو الصهيوني لصالح قوى المقاومة وقوى التحرر في العالم، وتضعف المعسكر الأمريكي الصهيوني، وتعرقل مسار ما سمي التطبيع والسلام الاقتصادي، ويشكل إضافة مهمة، ودعماً نوعياً لمعركة “طوفان الأقصى”، وقوة لمواقف محور المقاومة، تعزز من مكانة الجمهورية الإسلامية في المنطقة وشعوبها والعالم، وتجعلها تكسب المزيد من الحلفاء والاصدقاء.