رأيصحيفة البعث

للحروب فنونها

علي اليوسف

بعيداً عن تفاصيل الرد الإيراني، أجاد القادة الإيرانيون لعبة الحرب النفسية، واستطاعوا خلال أيام أن يحبسوا أنفاس الكيان الصهيوني وكل دول الغرب الجماعي الداعم للحرب على غزة. ومنذ اليوم الأول لقصف القنصلية الإيرانية، تراوحت المؤشرات بأن الرد الإيراني لن يكون ردة فعل، بل سيكون ضمن مسارات عملية إشغال الجبهات لاصطياد “الهدف”، وخلق حالة إرباك للقوات الأجنبية في المنطقة. صحيح أن الرد تأخر قليلاً وهو ما منح العدو الصهيوني فرصة التأهب والاستعداد، لكن في الوقت ذاته أدخله في حالة عدم استقرار سياسي وأمني وعسكري استنزف مقدراته الاقتصادية والمعنوية. فقد شهد الكيان الإسرائيلي ساعات تأهب غير مسبوق منذ أكثر من عقدين من الزمن، وقد ظهر ذلك حين طلبت حكومة نتنياهو من كافة الإدارات والموظفين الاستعداد لأي طارئ مباغت لتنشط حرب من نوع آخر هي حرب “حرق الأعصاب”، والتي استطاعت طهران أن “تلعبها” بكل حرفية عندما شنت حرباً نفسية على وسائل التواصل الاجتماعي بالملصقات والفيديوهات، ولعل أهمها صورة لصاروخ كتب عليه “وعده صادق” في إشارة إلى توعد المرشد الإيراني علي خامنئي سابقاً بأن “إسرائيل” ستعاقب على قصفها الإجرامي للقنصلية.

لقد استطاعت إيران أن توجه أنظار العالم إلى الشرق الأوسط، وجعلته في حالة تأهب غير اعتيادي، ليدب الهلع في نفوس قادة ومستوطني الكيان من انتقام وصفعة إيران. لكن في المدى الأبعد فإن حرب “حرق الأعصاب” أوقفت هجوم الكيان الصهيوني – الذي كان يبازر فيه على ملف الأسرى- المرتقب على رفح، فقد عاش قادة الصهاينة على الأقل أسبوعين لا يعرفون ماذا سيفعل الايرانيون ومتى وكيف سيكون الرد.

بتجرد، لفّ الخوف الكيان الصهيوني وحُماته، فالحرب النفسية والسياسية والإعلامية كانت أشد رعباً لـ “إسرائيل” من ضربات الطائرات المسيرة الإيرانية نفسها، وقد أجبرت قسماً منهم على الهروب وقسماً آخر على النزول إلى الملاجئ في كل ليلة. أما اليوم وبعد الرد الإيراني يمكن تسجيل أن التهديدات التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون من قمة الهرم السياسي والديني الممثلة بمرشد الثورة ترجمت من حيث الرد المباشر على القواعد العسكرية للقوات الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة، وأن ما يسمى “إسرائيل” شهدت وعاشت أنموذجاً مصغراً لمواجهة عدة جبهات بآن واحد، كون الجبهة اللبنانية والجبهة اليمنية ساهمتا في توجيه ضربات للكيان. أما الأهم من كل ذلك فهو فشل القدرات العسكرية الدفاعية للقوات الأمريكية في شرق سورية والأردن وفلسطين المحتلة من التصدي لأكبر صلية من الطائرات المسيرة والصواريخ التي أطلقت من الجمهورية الإسلامية.

لذلك، على الأغلب، سيبتلع الكيان الإسرائيلي الضربة الإيرانية، وسيقبل صفعة إيران، لأن سماح الولايات المتحدة الأمريكية لقوات الاحتلال بمغامرات عدوانية على إيران أو في المنطقة سيشعل الشرق الأوسط بشكل كامل، وحينها سيكون الرد أكبر بكثير مما حصل ليل السبت وصباح الأحد.