ثقافةصحيفة البعث

ميسون الربيعي ولوحة العيد

ملده شويكاني

رسمت الفنانة التشكيلية والمهندسة المعمارية العراقية ميسون الربيعي الكثير من الحالات الإنسانية التي تعيشها المرأة، وربما كانت لوحتها عن العيد من أجمل لوحاتها، إذ حاكت فيها عطاء المرأة اللامحدود في التراث الإنساني، الذي يتقاطع في عدد من الدول العربية بتجسيدها المرأة التي تعدّ حلويات العيد فتتربع على الأرض وأمامها صينية الحلويات والقالب الذي تضع فيه العجين، مظهرة رموز التراث بالأباريق والطبق، وخلفها قوس الباب المنحني، وفي الوقت ذاته تظهر أنوثة المرأة وزينتها بالقرط الكبير والخلخال لتزيد من جمالية ملامحها المستمدة من وصفها بالشعر العربي بالعين الكبيرة والحاجبين المنحيين وشفاهها المكتنزة وشعرها المنسدل على كتفيها.
وجعلت الربيعي من الألوان تجانساً بالتوازي بين الأخضر والأزرق المتدرّج الذي امتد لتلوّن به الوعاء الجانبي والوسادة والطبق برمزية إلى الطمأنينة والأمان المنشود بعد معاناة طويلة شهدتها المرأة العراقية خلال سنوات الحرب، لكنها تمكّنت من تجاوزها وتابعت دورها بالمجتمع والحياة، فكانت المرأة موضوعها الأساس في لوحاتها التي عبّرت بتورية عن أوجه بعيدة وقريبة من منظور رؤيتها الجمالية بتكويناتها المتشابهة بالملامح وتفاصيل الجسد ورمزية ألوان الثوب، كما في لوحة الفتاتين اللتين ترتشفان الشاي، إحداهن بثوب ملوّن بألوان التراب إيماءة إلى الانتماء، والثانية ترتدي ثوباً أحمر برمزية إلى الحياة والحب والإرادة القوية.

وقد جمعت الربيعي بمسارها الفني بين التشخيص والتشكيلات الهندسية وعملت على إيجاد تداخلات بين الطراز المعماري والأقواس ومنحنيات النوافذ والأبواب نتيجة أسفارها وتجولها بالمغرب وإسبانيا وتركيا والقاهرة، بالإضافة إلى عناصر الطبيعة الصامتة ورموز التراث، ما جعل لوحتها شاملة لا تؤطر بزاوية معينة، كما قالت في أحد لقاءاتها “ليست لديّ طريقة محدّدة في الرسم لكي أنسبها إلى مدرسة فنية بعينها، وذلك لأنني بالأساس مهندسة معمارية والتشكيلات الهندسية لها حضور قوي في أعمالي، وفي بعض الأحيان تسيطر على المشهد أكثر من رموز الطبيعة، عموماً كان لأعمال الفنان التشكيلي والمهندس المعماري عصام السعيد تأثير على توجهي الفني، بالإضافة إلى الفنانة الكبيرة وداد الأورفلي وأسلوبها برسم المنمنمات”.

وللشغف بالشعر والأدب والكتابة دور في تجربة الربيعي، فكان الرسم بالنسبة إليها بمنزلة الكتابة، لكن بلغة أخرى، فلقراءاتها القصص والروايات وكتب التاريخ والشعر وخاصة للجواهري ومظفر النواب ومحمود درويش ونزار قباني وغيرهم دور بلوحاتها، كما قالت: “وكثيراً ما يكون وازعي للرسم هو بيت شعر استمعتُ إليه أو قرأته أو كلمات أغنية تثير فيّ الشجن، وتحرك فرشاتي لكي أرسم من خلالها مكنوناتي وما يعترك ذاتي”.
تعيش ميسون الربيعي في بريطانيا، لكن عشقها لوطنها العراق لا ينضب، تقول: “في العراق أهلي وجيراني وأقاربي وذكريات الطفولة والشباب التي لا يمكن نسيانها بحلوها ومرّها”، وقد درست في جامعة بغداد – كلية الهندسة المعمارية – ومن ثم انتقلت إلى ماليزيا وبريطانيا فتابعت دراستها وحصلت على شهادة في الثقافة والتدريس من الجامعة المفتوحة، وتجد سعادتها بالرسم الذي أنست إليه.