انتكاسة زمنية…!
بشير فرزان
تكثيف للجولات وللزيارات الميدانية الزراعية وعقد لقاءات مباشرة مع الفلاحين، واعتماد سياسة الأبواب المفتوحة أمام القضايا الزراعية، وتأكيد دائم على مواجهة التحديات بالعمل الجماعي، ومن ثم حمل حصاد كلّ ذلك إلى قاعات الاجتماع للبحث والمداولة واجتراح الحلول التي لا تخرج إلى ميادين التنفيذ، وإن خرجت فستكون عرضة للانتكاسة الزمنية والخروج من دائرة الأولويات إلى غياهب النسيان.
ولا شكّ أن سيناريو الزراعة يبدأ دائماً بالوعود التي تتراقص في اجتماعات لقاءات مزدحمة بالحضور ومتخمة بزغاريد “الفرج”، حيث النمطية التقليدية في الطرح والتكرار المملّ لحالة التشخيص والتسابق على تبني قضايا الفلاح الذي يتعرّض في كل موسم لصدمة عدم التجاوب مع متطلبات العملية الزراعية، ليفجع بعدها بفشل جهوده التسويقية في مختلف المحاصيل، كما يحصل الآن في محصول الثوم.
ولعلمنا بوجود من يشكّك أو سيشكك في صلاحية كلامنا حول واقع عمل الجهات الزراعية.. نقدّم ومن على خشبة الواقع بعض ما يطربنا به أصحاب القرار في كلّ اجتماع، حيث يعزف الجميع سيمفونية الاستمرار في دعم قطاع الزراعة بما يعزّز تنافسيته ويسهم في تطويره، وتوفير الأمن الغذائي والتشديد على تطبيق القوانين التي تحمي المصادر الطبيعية وتعزيز القدرات لقياس المؤشرات والمنافع للمشاريع الزراعية الخدمية والمشاريع ذات الأثر البيئي، وإعادة العمل بنظام الحوافز في المشاريع الإنتاجية لرفع كفاءة العمل، واعتماد الميزة النسبية لمناطق الإنتاج الزراعي، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية والجوانب الاقتصادية والاجتماعية وتحديد الأولويات الاقتصادية لإنتاج المحاصيل الزراعية وووو….
وما ذكرناه هو ملخّص التوصيات الدائمة التي تخلص إليها الاجتماعات المتلاحقة بين وزارتي الزراعة والموارد المائية واتحاد الفلاحين واتحاد الغرف الزراعية والمتعلقة بالخطط التسويقية والإنتاجية للمواسم الزراعية المتعاقبة، حيث تتكرّر الأجندة ذاتها على طاولة الحوار (أهداف الخطة وأسس إعدادها وأولوياتها المستقبلية)، وشيئاً فشيئاً يدخل الجميع في العمق الزراعي ويبدأ الصراخ الفلاحي الداعي إلى تأمين مستلزمات الإنتاج من خلال القطاع العام والخاص بالكميات والأوقات المناسبة، ومع احتدام المواجهة يشتعل فتيل الاتفاق على تأمين الضروريات حسب الإمكانيات المتوفرة لتلتقي المقترحات على طاولات البحث عن بدائل ذات ريعية اقتصادية عالية، والتشديد على تطوير البحث العلمي الزراعي والإرشاد والتعليم والتأهيل، وتوطين التقانات الحديثة واستمرار تعديل بعض التشريعات والقوانين، ثم تبدأ معزوفة الوعود من خلال زيادة الاستثمارات الخاصة بقطاع الري والإسراع بتنفيذ مشاريع الري الحكومية وتشجيع إقامة الشركات والمؤسسات التسويقية في كلّ القطاعات لزيادة فرص التسويق، وإيلاء الإنتاج الحيواني أهمية أكبر وتأمين فرص عمل بديلة داعمة للدخل الزراعي، وخاصة في حالات الكوارث.
والغريبُ أن هذا النقاش الفلاحي المتكرّر والغارق في الجدل ينتهي من حيث يبدأ، فتمتلئ مكاتب أصحاب القرار الذين تفنّنوا في تقليم كلّ ما من شأنه بناء اقتصاد زراعي حقيقي بالملفات والمطالب الفلاحية الباحثة عن حلول حقيقية، وتتباطأ دفة إدارة القرار لتناسب خطوات التنفيذ التي لم تتحرك بعد “قيد أنملة”.. فهل هناك أمل بإحداث التغيير الحقيقي في هيكلية هذه الجهات وعقلية إدارتها للدفة الزراعية، أم ستستمرّ على حالها دون تغيير، حيث يخسر الوطن وتستنزف ثرواته في حضرة الإهمال والتقصير..؟!.