“الرّد” وإعادة تثبيت قواعد القانون الدولي
أحمد حسن
ربما كانت أول وأهم نتيجة للردّ الإيراني على “إسرائيل” هي إعادة تفعيل، وتثبيت، قواعد الاشتباك التي نصّ عليها القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة – ما تنص عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة – والتي حاول “سادة عالم الرجل الأبيض” ما بعد سقوط جدار برلين احتكارها كأي “سلعة” أخرى، ومنعها عن الآخرين، وذلك تحديداً هو ما يفسّر ردود أفعالهم على ما حصل، وربما كان أبرزها مسارعتهم، من جهة أولى، لنزع الشرعية عن الردّ الإيراني وتجريمه، والسعي الحثيث، من جهةٍ ثانية، لتسخيفه والتقليل من آثاره، وهذه “عملية” انخرط فيها الكثيرون، بعضهم “قادة” دول، وبعضهم “قادة” رأي عام، وبعضهم ممن يخافون “الانتصار” لأنهم “استحقوا” مناصبهم ومواقعهم وأموالهم بالعمل ضدّه.
ففي شقّ التجريم، كانت إدانة الرئيس الأمريكي جو بايدن لردّ الفعل الإيراني على جريمة “القنصلية” متوقعة ومنتظرة كما هو تعهّده “بتوفير دعم ثابت لإسرائيل”، وإذا كانت هذه حالة “العم توم”، فإن مسارعة دول أخرى، كفرنسا ماكرون، إلى إدانة الردّ وتكرار “تمسكها” بأمن “إسرائيل” كانت “طبيعية” أيضاً، وإن زادت عليها بعض “الرطانة اللغوية الفرنسية”، من حيث اعتبار الردّ الإيراني “عملاً غير مسبوق”، ويشكّل “عتبة جديدة في أفعالها الهادفة الى زعزعة الاستقرار، وتجازف بحصول تصعيد عسكري”، وهذه “رطانة” تتجاهل “الفعل” العدواني الإسرائيلي الذي جازف واعياً بحصول تصعيد عسكري، خاصةً بعد أن شيّد “بايدن” حوله جداراً حامياً مانعاً العالم السياسي، أو ما يسمى المجتمع الدولي ومجلس أمنه، من إدانة هذا العدوان الذي لم ير فيه، كما لم ير أتباعه من فرنسيين وغيرهم، أنه “غير مسبوق” وأنه يشكّل، فعليّاً لا لغويّاً، “عتبة جديدة” في أفعال “إسرائيل” “الهادفة الى زعزعة الاستقرار” في المنطقة وحكماً في العالم.
أمّا من جهة “التسخيف” والتقليل من آثار الردّ، فقد بدا لافتاً عودة “منظّري” نظرية إنكار فكرة المؤامرة لإحيائها واعتناقها عبر الحديث عن مؤامرة وعن “ردّ” متفق عليه جمع، للمفارقة، محور المقاومة وأعدائه معاً في وجه عدو واحد لم يقل لنا أحد من هؤلاء “المنظّرين” من هو؟ متجاهلين حقيقة جليّة تقول إن المسيّرات والصواريخ التي انطلقت من الأراضي الإيرانية تجاوزت في مغزاها الأثر الزلزالي العسكري، على أهميته البالغة، لتتحول إلى “زلزال” نفسي ضرب مجموعة بشرية اعتادت على العيش في ظلّ جيش قيل لها دائماً إنه الأقوى في الشرق الأوسط، فأعادته ليلة الصواريخ إلى اللجّة ذاتها التي دفعه إليها “طوفان الأقصى”، والتي حاول “نتنياهو” و”بايدن” وأتباعهما، في المنطقة والعالم، إنقاذ “الكيان” كما إنقاذ مستقبلهم السياسي من الغرق في أمواجها.
خلاصة القول.. جون كيربي، منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي للاتصالات الاستراتيجية، قال في معرض وصفه لما حدث: “لم نر هذا من قبل”، وإذا كان الرجل، بحكم منصبه، يصف في الآن ذاته الفعل الإيراني وما أسماه بـ “التصدّي الغربي” له، فإن الشق الأول، أي وصف الفعل، هو لسان حاله الحقيقي، ولسان حال كل من قرأ، جديّاً، ما حدث، فهو يعرف جيداً أنها، وبعيداً عن التجريم والتسخيف، لحظة فاصلة لعالم سيرى فيه الأكثر، والأخطر، في وقت أصبح أقرب من حبل الوريد.