السياسات السعرية تناقض مصلحة الاقتصاد الوطني!!
علي عبود
لا تقبل اللجنة الاقتصادية أيّ آراء من أهل الخبرة والاختصاص، سواء في القضايا الاقتصادية أو الاجتماعية، وتحديداً في الأمور التي من شأنها تحسين أوضاع الناس ودوران عجلات الإنتاج، والسؤال المطروح دائماً: لماذا تتجاهل اللجنة الاقتصادية كل الآراء المطروحة في الإعلام؟!
استناداً إلى الواقع، فإن الإجابة الوحيدة المتداولة هي: اللجنة الاقتصادية وحدها من لديها المعطيات والأرقام والإمكانيات لاتخاذ القرارات وتبنّي السياسات التي تخدم مصالح البلاد والعباد، والسؤال: هل فعلاً لا توجد خيارات أخرى سوى ما يصدر عن اللجنة الاقتصادية والتي يقوم رئيس الحكومة بترجمتها بقرارات تنفيذية؟
ولو أخذنا موضوع الأسعار مثلاً الذي يؤثر سلباً على ملايين الأسر السورية، فإن أكثر ما لفتنا، مثل غيرنا من الاقتصاديين وأهل الخبرة، هو ما أكدته اللجنة الاقتصادية بـ “أن السياسات السعرية دقيقة وحساسة جداً، وتسعى لإقامة توازنات عدّة مخطّطة ومدروسة بين التكلفة والسعر، والقيمة والقوة الشرائية، وقوى العرض والطلب.. إلخ”.
لو شرّحنا هذه الأسس أو المعايير التي تستند إليها اللجنة الاقتصادية في عملها، وبما ترفعه من مشاريع قرارات أو موافقات إلى رئيس الحكومة، فسنكتشف أن السياسات السعرية دقيقة جداً جداً، لأنها تراعي أولاً وأخيراً التّجار والصناعيين، ولا تكترث بأحوال المستهلكين من قريب أو بعيد!
ومن المنطقي جداً، أن تنطلق “مقاربة اللجنة الاقتصادية لملفات تسعير منتجات القطاع العام من سياسة إدارة السوق المحلية بما يضمن دورتي الإنتاج والاستهلاك الكليين حرصاً على ديمومة واستمرارية النشاط الاقتصادي”، ولكن ماذا عن القدرة الشرائية لملايين المستهلكين العاجزة عن شراء منتجات القطاع العام؟
ألا يُفترض أن تجيب اللجنة الاقتصادية على السؤال المهمّ جداً: لمن يُنتج القطاع العام؟
وتحرص اللجنة الاقتصادية في حالات نادرة جداً على تبرير رفع أسعار سلع أساسية لدوران عجلات الاقتصاد، كالإسمنت محور عمل قطاع الإنشاء والإعمار، وقطعاً لا يمكن بيع هذه المادة بأقل من تكلفتها، لكن السؤال: أليس اللجنة الاقتصادية من وافق على رفع كافة مستلزمات إنتاجها وخاصة الكهرباء؟
وبما أن اللجنة الاقتصادية تُركز كثيراً على “إدارة العرض والطلب الكليين” دون أن تنسى الإشارة بقوة إلى تحمّل الخزينة العامة للدولة لتمويل العجوزات، فإن السؤال: وماذا يستفيد ملايين السوريين من قطاع البناء والتشييد طالما أصبح شراء مسكن متواضع جداً من المستحيلات؟
حسناً، نختلف جذرياً مع ما تقوله اللجنة الاقتصادية حول التسعير كسياسة اقتصادية واجتماعية، وبأنها لا تقاربه من البوابة الضيّقة للربح التجاري البحت، بل من الباب الواسع لإدارة النشاط الاقتصادي والاجتماعي الوطني، فحديثها المملّ عن حجم الدعم الكبير في مادة الخبز، والمازوت، والبنزين والكهرباء والماء، والتعليم، والصحة.. الخ ليس صحيحاً ولا دقيقاً!
تعرف اللجنة الاقتصادية (وإن كانت لا تعرف فالمشكلة أعظم) أن ما من دولة في العالم تقريباً إلا وتقدم الخدمات الصحية والتعليمية مجاناً إلى جانب المأجورة، وتدعم الكثير من المنتجات الزراعية والصناعية وخاصة المعدّة للتصدير، وبدلاً من أن “تُمنّن” اللجنة الاقتصادية السوريين بحجم الدعم المقدّم لهم، فلتجبنا على السؤال: لماذا يحتاج ملايين العاملين بأجر إلى دعم احتياجاتهم الأساسية من خبز وكهرباء ودواء.. الخ؟
والسؤال الأهم: لماذا يعجز العامل بأجر عن استئجار غرفة واحدة؟
وإذا كانت الحكومة مضطرة فعلاً إلى تحمّل العجوزات الكبيرة لتنفيذ خططها، فلماذا لا تتحمّل أيضاً عجوزات تأمين دخل يكفي متطلبات الأسرة السورية، من طعام وشراب ومسكن، كما هي حال البشر في معظم أصقاع الأرض؟
ترى! هل المطلوب من العاملين بأجر، دون شرائح المجتمع الأخرى المقتدرة والمترفة، تخفيض عجوزات الخزينة على حساب مستلزماتهم الضرورية للعيش الكريم؟
الخلاصة: فلتتوقف اللجنة الاقتصادية، سواء الحالية أو القادمة بعد تشكيل الحكومة الجديدة بعد أشهر قليلة، عن متابعة إعادة هيكلة الدعم، ولتحرّر كلّ السلع والخدمات مقابل أجر يكفي مستلزمات الأسرة السورية بما فيها السكن، ولتنشغل باستثمار إمكانات الدولة الهائلة وفق خطط خمسية أو عشرية، فهي كفيلة ليس بسدّ عجوزات الخزينة بل بتحقيق فوائض كبيرة جداً، كما كانت الحال في عقود الاعتماد على الذات وتطبيق نهج الاقتصاد الإنتاجي، لا الريعي ولا الخدمي، أي الإتكال على سواعد المنتجين لا على سواعد المستوردين المتنفذين، وهذا هو النهج الوحيد الذي يحقق المصلحة الوطنية العليا!!