وكان التصويب في مكان آخر أيضاً!
يونس خلف
سواء كانت مسيرة أو مخيرة.. اعترضت معظمها أم لم تعترض.. مسرحية أم مسلسلاً.. المهم أن الناتج النهائي للرد الإيراني هو كسر أنوف، وكسر عنهجية، وكسر استكبار وإستعلاء.
ما حدث أبعد وأكبر بكثير من ذلك طبعاً، لكن يكفي أن الردّ أذاقهم طعم الجحيم، ويكفي أن العالم كله ظل واقفاً على قدم واحدة طيلة ليلة الرد. فماذا ينفع كل ما يفعله الإعلام الغربي المعادي و”العربي العبري” للتقليل من شأن ما حدث ومحاولة تبييض سواد الوجه الذي لا يقهر؟.
المسألة ليست بعدد الصواريخ والمسيرات، وليست بوصولها إلى الهدف أو اعتراضها.. كل الثرثرة التي تتم على ضفاف الحدث الكبير هدفها حرف مسار الاهتمام عن القضية الأساسية، وعن الأهداف الكبرى، وعن اختراق توازن القوى والتحولات والتداعيات التي يتوقع أن ينتج عنها الردّ.
لا أحد يستطيع أن يتجاهل أو يطمس حقائق كثيرة: أولها مشروعية الردّ الإيراني الذي يستمد قوته من كونه تحت سقف القانون الدولي، وأنه كان في العلن، لا بل أكثر من ذلك ترافق الردّ، والإعلان عنه مسبقاً، بتهديدات لكل من يشارك العدو في الدفاع أو الهجوم، وتعززت هذه التهديدات بمظاهر السيطرة على الأجواء الإقليمية.
الذين يثرثرون، وخاصة من جوقة الدول المعادية، للتقليل من شأن الرد الإيراني، يعرفون قبل غيرهم، لكنهم يتجاهلون، أن مثل هذا الردّ هو تهشيم لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، ولعل أحد المؤشرات أن واشنطن نفسها شدّت لجامها قبل أن تلجم الكيان، وتحذره من عواقب الرد على الردّ.
لقد طفح الكيل، ولم يعد الكلام عن نهج الغطرسة الأمريكية والهيمنة على الدول وقرارها المستقل، ونهب ثرواتها كلاماً نظرياً.. إننا نشاهد ما يحدث كما تشاهده كل شعوب العالم، نشاهد الغطرسة وكل أشكال العدوان والاحتلال التي ارتسمت ملامحها بوضوح في العراق وسورية، وفي كل مكان غير مرتهن، هو ومن فيه، لأمريكا.
وعلى الرغم من تاريخها القصير إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أكثر الدول التي خاضت حروباً في العالم في التاريخ المعاصر، وتحديداً تلك التي تتطلب خوض المعارك والحروب الكبرى واسعة النطاق خارج أراضيها، وكانت الأراضي الأجنبية دائماً مسرحاً للمعارك والحروب الكبرى.
والأمر في أي عدوان لم يعد يقتصر على عدم توافر أية مسوغات واضحة أو مقنعة، لأن أمريكا تجاوزت كل شيء حتى حدود الجنون الأمريكي الذي يستند على قاعدة الهمجية والوحشية التي تستهدف، بالدرجة الأولى، تدمير حضارات الشعوب، وقتل المدنيين، ونهب ثروات الدول وانتهاك سيادتها واستقلالها.
وإذا كانت الحروب عملية حسابية قبل أي شيء آخر، فقد أثبتت كل الوقائع أن جميع الحسابات الأمريكية خاطئة على كل المستويات، ولعل هناك من يسأل: كيف؟
صحيح أن هناك مغفلين كثيرين في الدنيا، ولكنهم ليسوا بالكثرة التي تتصورها أمريكا؛ فبعد مرور سنوات على احتلال العراق، وبعد كل ما حدث ويحدث يومياً، تريد أمريكا من العالم أن يصدق أنها ذهبت لتحرير العراق وحمل الديمقراطية إليه!! أيضاً، من الذي يمكن أن يُصدق بعد كل ما حدث ويحدث في سورية وقبل ذلك في العراق، وفي دول كثيرة، أن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على إيهام العالم بأنها تفعل ذلك من أجل الحرية.
وهل يوجد عاقل في الدنيا يمكن أن يقتنع بمثل هذا الكذب والتزوير والتحايل بعد كل ما حدث من قتل وتدمير وإبادة للمدنيين؟ كيف يُصدقها أحد، وهي الآن الدولة الوحيدة صاحبة القدرة الفائقة على الفبركة والقص واللصق والمونتاج والدبلجة واختلاق الذرائع؟
من يصدق أمريكا في كل ما تقوله وهو يشاهد الدم ينزف من الأطفال والنساء والشيوخ؟ وكيف لأي عاقل أن يستمع إلى أمريكا وهو يشاهد الصواريخ والقنابل تدخل إلى البيوت وتصيب المدنيين حتى وهم في غرف نومهم؟.
ويبقى السؤال: متى يعلم الذين تستخدمهم أمريكا أدوات لتنفيذ مشاريعها الاستعمارية أن حقيقة الديمقراطية الأمريكية هي استخدام أحدث الأسلحة والتقنيات لاحتلال الدول وتدميرها وضرب المدنيين ونهب ثرواتهم، تحت ذرائع وهمية مفبركة كنزع أسلحة الدمار الشامل، كما حدث في العراق مثلاً، في حين يعلن الكيان الصهيوني علانية إنشاء متاحف للأسلحة النووية؟ ولذلك بات مكشوفاً إن أمريكا لا تريد خيراً لكل ما يتعارض مع مصالحها؛ وأكثر من ذلك وضوحاً، وبكل علانية، فإن أمريكا أصبحت مصدراً للفوضى والإرهاب في العالم، ولم يعد أي شيء تقوله الإدارة الأمريكية قابلاً للتصديق بسبب الكذب والنفاق، وأيضاً الحسابات الخاطئة في علاقاتها وأعمالها مع الدول والشعوب.
من هنا، كان التسديد في الردّ الإيراني على الكيان الصهيوني، لكن التصويب شمل الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، ليعرف العالم كله أن أمريكا ليست فوق التاريخ، ولا تستطيع أن تتحكم بكل العالم.