نيسان المجد… سجلات لتاريخ سورية المشرق وقصص للبطولات
نيسان الربيع يكتب التاريخ فيه سجلات المجد سطوراً لا تغيب لعنوان ثابت وحقيقة راسخة مفادها بأن لا محتلاً أو معتدياً وطأ أرض سورية إلا وخرج منها بعكس ما دخل، مُمرغ الأنف، مُحطم الغرور، مُبدّدَ الأوهام؛ فتراب سورية المبارك لا يقبل المحتلين مهما قوت شوكتهم، وتعالى غرورهم، وبلغ عدّهم وعديدهم، كما لا يقبل بذوراً فاسدة لم تسقها المحبة والعنفوان التي جُبل السوريون عليها فشبوا وشابوا.
في السابع عشر من نيسان قبل عقود خلت كتب السوريون في سجلات التاريخ سطوراً مباركة عنوانها “جلاء المحتل الفرنسي عن أرضهم”.. كتبوها بدمائهم ورغبتهم الأصيلة بالتحرّر والاستقلال.. كتبوها رغم بغي المحتل وجبروته، ورغم كل جيوشه الجرارة التي استقدمها إلى هذه أرض، فكان الجلاء ورحل كما سبقه العثمانيون الذين رحلوا بعدما سطّر السوريون بعسكرييهم ومدنييهم ملاحم من البطولة والفداء.
إرادة متجدّدة
فاليوم ورغم كل الأحداث التي شهدتها سورية لا تغيب الحقيقة عن أيام ذلك التاريخ الذي مضى، والذي يعيد نفسه، حيث تبقى إرادة السوريين نفسها، وتتجدّد العزيمة التي كتبها رجال الجيش العربي السوري في محاربة المحتلين وإن تبدلت أسماؤهم، وتكتب ملاحم من الانتصارات في محاربة جحافل الإرهاب وتنظيماته التكفيرية التي لا تقل أبداً عن تلك التي نتذكرها مع كل احتفال بعيد الجلاء، فمن منا ينسى يوسف العظمة حين تصدى للفرنسيين في موقعة ميسلون قرب دمشق في معركة محسومة النتائج مسبقاً؟، لم يكن العظمة ورفاقه قادرين على مواجهة جيش جرار فاستشهد العظمة، ودخلت القوات الفرنسية دمشق ليبدأ الانتداب، لكن الإرادة التي جسدها العظمة استمرت جذوتها فكان الجلاء، وكان بعده بناء ذلك الجيش العقائدي الذي صان ويصون كرامة سورية، مقدماً الدماء رخيصة في سبيل حفظ الاستقلال والكرامة حتى يومنا هذا.
قصص الانتصار
ويستحضر العميد المتقاعد هيثم حسامو ذكريات الجلاء والقصص التي يعرفها عنه، متحدثاً عن أيام قضاها في خدمة الجيش، وواصفاً دور الضابط السوري بالواعي والمسؤول والأساسي في كل الميادين. لم تعف السنوات الطويلة التي قضاها ذلك الضابط في خدمة الجيش- رغم تقاعده- عن نذر ما تبقى منها كرمى للدفاع عن سورية.
ويقول العميد المتقاعد حسامو: الضباط طبقة واعية في المجتمع لأن تأهيلها أكاديمي، ولذلك كنا من أول الفئات الذين استشعرنا الخطر باكراً، فشكلنا خطوط دفاع عن الوطن ومدنه وأريافه وبلداته المختلفة، وندافع اليوم عن الجلاء المتجدد الذي صنعه من سبقنا وأكلمنا دربهم.
أدوار مكملة
بدوره يتحدث اللواء المتقاعد أحمد الحسن عن دور الضباط السوريين الذين شاركوا كل فئات المجتمع السوري ثوراتهم التي صنعت الاستقلال والجلاء، مؤكداً أهمية دور الضباط المتقاعدون في هذه الأحداث؛ فالأعوام الأربعون التي قضاها مع زملائه في خدمة الجيش لم تعفه أيضاً من متابعة واستكمال دوره النضالي، بخبرتهم وباعهم الطويل في الأعمال الحربية، وهم يشكلون خط دفاع إلى جانب كل المدافعين عن منعة الوطن، مشدّداً في هذه المناسبة على ضرورة تعزيز هذا الدور الوطني ودعمه.
دروس وعبر
حين نحتفل بالتاريخ ونستعيده ونتذكره لا نفعل ذلك طرباً أو تغنياً؛ فالتاريخ كتاب حافل يقدّم الدروس والعبر، ويفضي إلى النتائج نفسها حين تكون قصصه متشابه، وفي يوم الجلاء هذا ما أشد تشابه التاريخ، فقصص الملاحم والبطولة التي كتبها السوريون عبر تاريخهم يكرّرونها اليوم بقصص مشرّفة أخرى تصون الجلاء وتبقي الاستقلال وساماً لامعاً على صدور السوريين.
محمد محمود