استعراض صهيوني فاشل
علي اليوسف
لأكثر من عقد من الزمان، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تتدرب وتحاكي قصف المنشآت النووية الإيرانية التي يقع الكثير منها حول مدينة أصفهان ومجمع نطنز للتخصيب النووي. لكن ما جرى، والصمت الذي أعقب الرد، كان بعيداً جداً عن محاكاة الكيان الصهيوني، وهذا مرده أن الاعتداء الذي تسبب بضرر ضئيل في إيران كان يراد منه تجنب جولة أخرى من التصعيد، ومحاولة الحفاظ على التهدئة خشية جرّ المنطقة إلى مكان مختلف تماماً عما كانت عليه، وكي لا تختفي المحرمات ضد الضربات المباشرة على أراضي البعض، وإطلاق النار مباشرة على الآخر.
هذا الصمت يشير إلى أن الكيان الإسرائيلي استغل “ضربة” أصفهان في محاولة لجسّ نبض القدرات العسكرية الإيرانية، وهو عمل لم يتم إلا بالتنسيق مع الجانب الأمريكي، وبهذا المستوى الضعيف الذي طلبته الإدارة الأمريكية لكي لا تدفع إيران للرد على الرد، بهدف الحفاظ على ماء الوجه في المنطقة، والحفاظ على ما يسمى قواعد الاشتباك دون تجاوز الخطوط الحمراء.
لكن الملاحظات التي يمكن الإشارة إليها من خلال ما حصل، فيما يتعلق بتعرض الجمهورية الإسلامية الإيرانية لهجوم بالمسيرات، تتراوح حول الضخ الإعلامي وكمية الإشاعات مع الدقائق الأولى لبدء استهداف إيران، وهو ما يوحي بأن هناك جهات وقوى كانت تحاول تقديم صورة انجاز إعلامي للكيان الصهيوني أكثر من كونه إنجازا عسكريا في “الرد على الرد”. لكن مشاهد 4 ملايين إسرائيلي في مطار بن غوريون يحاولون إيجاد طريق للهروب يدحض النجاح الإعلامي للكيان الصهيوني، ولا يمحو نجاح إيران في خلق أجواء هستيرية في صفوف الإسرائيليين حتى قبل أن تطلق رصاصة واحدة، والانتقام لاغتيال القائد في الحرس الثوري محمد رضا زاهدي.
إذاً.. يمكن القول إن ما حصل هو جولة من حرب طويلة، لكن هذه المرة خرجت من الظل إلى العلن، وباتت تدور في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وعليه فإن ما حصل من اعتداء إسرائيلي على مبنى القنصلية والرد الإيراني، فجر ١٤ نيسان، وصولاً لاستهداف إيران ببعض المسيرات، يؤكد أن المنطقة تعاني من تصدع وهشاشة في بنية منظومتها الأمنية، وهي قابلة للانفجار في أي لحظة، وأي مواجهة ضمنها قد تتضمن عواقب غير محمودة وتداعياتها وتأثيراتها أكبر بكثير من أي مواجهات أخرى حول العالم.
حتى الساعة، يبدو أن ملف الرد، والرد على الرد، سيغلق حتى إشعار آخر، لكن ما جرى لا يمنع أن هذه المواجهة هي جزء من تصعيد أوسع منذ اندلاع الحرب في غزة العام الماضي، وأن الصراع في المنطقة يضرب بجذوره لعقود من الزمن، ويمتد عبر تاريخ من الحروب المباشرة واليومية وحروب الظل والهجمات السرية، من البر والبحر والجو، وعبر الفضاء الإلكتروني.