ثقافةصحيفة البعث

الشعر بوصفه مساحة للتعبير عن شغف الروح عند ريناز جحواني

حمص- سمر محفوض

شاعرة موهوبة في مقتبل العمر تحمل الكثير من الطموحات والأحلام، بدأت مسيرتها الإبداعية بالنّثر، وسرعان ما استوطنتْ نغمة الشّعر روحها، لتسوقها القريحة للشّعر الموزون، حاصلة على شهادة في الهندسة المدنية العامة، وحائزة على المركز الأول في الشعر على مستوى الجمهورية في المهرجان الأدبي المركزي السادس عشر عام ٢.٢٤.
تقول ريناز جحواني: “مثل كلِّ البدايات السَّاحرة كان لابدَّ لها أن تتمَّ تحت المطر في حضرة معجزة ما، يصحبني دفتر أُثقلَ بحبّات المطر؛ فلم يعد يصلح أن يكون كرّاس جامعةٍ، وبدأتُ أخبّئ فيه أوْلى المحاولات قبل أن أنجب أوّل بيتٍ موزونٍ لي:
ويا أسفاً علينا حين ضِعنا.. وهذِي الحربُ تلتهمُ البلادا..
وسوطُ الفقرِ جلّادٌ علينا.. ولا فرجاً نسرُّ به العبادا..
وعن تأثرها بالشعراء الأوائل قالت: “يجذبني من الشّعراء أولئك الّذين لا يمكن أن تعبر أنتَ على قصائدهم بل يعبرون هم بقصائدهم خلالك؛ وأعترف بأنّي انتقائية جدّاً، إذ يستهويني كلّ بيتٍ سلس في صياغتِهِ عميق بمضمونه متجدّد بموضوعهِ، وللأمانة هذا التّوصيف كان لأحد الشّعراء واصفاً أبياتاً لي، وعلى ما يبدو ما نحن إلّا انعكاس وصورة لما نحبّ شئنا أم أبينا”.
وعن انتقالها من النثر إلى القصائد الموزونة تقول ريناز: “الحداثة مفهوم شائك، إذ نعيش في زمن يعجّ بالاختلاف ونتشرّب كل ما حولنا، وننضح ما امتلأنا به عند كل تماس أو حدث، بناءً على ذلك فالحداثة قدرٌ على كل من يكتب ولا يرغب في الهروب من حاضره إلى ماضيه”.

ورداً على سؤال: هل يعني ذلك انجذاباً إلى أحد التيارين، الحداثة أو التقليد؟ تجيب جحواني: “بصراحة لست ممن ينجذبون إلى تيار الحداثة ذاك الذي يثور على قالب القصيدة التقليدية، ويحاول تفكيكه وتحرير الشاعر مما يُقيده، لكني مع الحداثة في تجديد المواضيع وصهر ما نعيشه اليوم ضمن قالب القصيدة ذاته، وحين نتحدث اليوم عن التجديد يستوقفنا مصطلح قصيدة النثر”، وتضيف: “لأصدقك القول أنا أستلذّ بقصيدة النثر كنص منثور مزدحم بالمعاني، ولكني -مع احترامي لكل أساتذتي الذين يبدعون فيها- أرى أن القصيدة لكي تُسمّى قصيدة يجب أن تصافح الأذن تفعيلاتها؛ فللشعر الموزون نغمة خاصة تداعب الروح وجمالية يتذوقها كل من راقص الليل على بحر قصيدة ما”.
وعن وجود نزعة جمالية تتسم بالتأمل في قصائدها وهي في عمر التوقد، تبيّن: “أؤمن بأنّ عين الشاعر ترى ما لا يراه غيره، لذا يُخلق الشعر في داخله مشيراً وهادياً لما يرى، ولا وسيلة للكتابة أفضل من التأمل عملاً بمقولة بولوزا: “الشعر منهجية للتأمل وطريقة فريدة في النظر إلى العالم”، موضحةً أن علاقتها مع الشعر تشكل رحلة تجاه المستقبل، والشعر وفق ما أشارت، هو طريقنا للخلود، وأتخيله وليد رغبة منا لأن نعيش ونكون حاضرين -عبره ومنه- في مستقبل لن تكون أجسادنا موجودة فيه وإنما أرواحنا ستطوف بين الشطور التي ستعيش أكثر منا.
أما مفهوم الشعر بوصفه تجربة إنسانية تُصاغ في المخيلة ونعيد إنتاجه عبر الكتابة، فأكدت أنه لا يُشترط بها أن تعيش حدثاً لتكتب عنه، لربما يكون الشعر عُصارة تجربتها ولربما وهو الغالب يكون نتيجة تراكم مشاهد مرّت بها واقعاً أو خيالاً تجسدها على هيئة قصيدة، وتضيف: “لعلّ أوضح مثال هو قصيدتي التي فزت بها في المركز الأول على مستوى الجمهورية في المهرجان الأدبي المركزي السادس عشر، إذ نسجتها على لسان أحد الغارقين العائدين جثة إلى بلادهم وعنونتها لا زلتُ أهواكَ”.
وتؤكّد جحواني ذات الخامسة والعشرين ربيعاً أن ما يفتح باب المخيلة على الشعر لديها ليس حالة أو طقساً بذاته، فلا وقت محدداً للشعر، هو وحي يجيء متى أراد وأينما شاء، وتعدّ أن الفرح محرك إبداعي كما الحزن، ولم تتوقف عند تجاربها في الحياة وهي لم تعش الكثير منها على أرض الواقع، لكن تقول: “كانت شطوري حقيبة تتسع لتجارب شتى ممن حولي؛ ونتيجة لذلك تنوّعت الموضوعات التي احتوتها تلك القصائد لتلامس الواقع بمختلف جوانبه، ولا يمكن للشاعر أن ينفصل عمّا يجري حوله، فهو انعكاس شفاف ولغوي للواقع”.

في الكتابة عن الحرب، والألم والسعادة والشباب، تعود لتؤكد أن تجربة الحرب التي عاشتها كما كلّ السوريين، ما زالت تسكنها بشكل ما وتضيف وتشكل هاجساً إنسانياً لديها رداً على الخراب والتدمير والموت، وقد حوّلتها في الكتابة انتصاراً للحب وللحياة، وتضيف: “الحربُ كانت ولا زالت محبرتنا، ونحن نمتلك قدرةً فريدةً في تحويل أحزاننا إلى شيءٍ يسعدنا حينما نراه استحال قصيدة ما، هذه التّجارة البسيطة رأس مالها أحزاننا؛ نطرحها ونحصل على ما يصفّق له النّاس سعادةً إذ يسمعوه.. نعم يصفّق المتلقي عند أكثر الأبيات ألماً لأنّها تلامسهم وتجعل أحزانهم تستحقّ النّظر، ويصفّق الجمهور لمن يعرف كيف يجعل الوجعَ بحدّ ذاتِهِ مرئياً ومحسوساً للآخرين”.
وتكمل: “لا بدّ للإنسان أن يمرّ بوجعٍ يأبى إلّا أن يخرج على شكل حروف لا دموع، فكيف يمكنُ لامرئ أن يتفادى هذا المنعطفَ الكبيرَ الّذي يجعلُ منه كاتباً أو شاعراً؟! ما نحن إلّا صنيعة خيباتنا المتراكمة، وتؤكد أنها تؤمن بأنّ الرّواياتِ السّعيدة في حدّ ذاتِها هروبٌ من واقع محزن، وأنّ الرّواياتِ الحزينة ما هي إلّا الواقع بعينه”.
هل يعني ذلك أننا نكتب لنخفّف الحزن أو نتفاداه ما أمكن؟، تجيب جحواني: “لطالما احترتُ في الذين لا يكتبون كيف يبكون!، فبعض الحزن لا يمكن له أن يخرج إلا من بين أصابع الإنسان لا عينيه، ولذلك فالشعر مرآة أرواحنا وكلما كُسر جزء منا تناثر شعراً، لاعتقادي بأنّ السّعادة لا تُكتب، فالإنسان حين يكتب يحجّم شعوره لتحتويه ورقة ما، لذلك نكتب أحزاننا؛ لأنّنا نريد أن نراها محدودةً بعددٍ من الأشطر أو محصورةً بين دفّتي كتاب، بينما السّعادة أكبر وأعظم من ذلك”.